رغم المعارك الشرسة التي يخوضها جنودنا على الحدود لدحر العدو، إلاّ أنه ما أن يدنو وقت الصلاة حتى تسمع صوت الآذان يعلو في الآفاق ويتردد صداه بين جنبات تلك الجبال الشاهقة، وفي زاوية من مسرح العمليات أنشأ الجنود مصلى وفرش بالرمل الناعم تكبّ عليه جباه الجنود المرابطين شكرا لله وأداء لفرائضه ودعاء بالنصر القريب.
ويتوافد على المصلى عدد من الجنود، فيما يبقى آخرون في عملهم من استقبال الإشارات وتمرير المعلومات واستهداف العدو والبعض الآخر يأخذ مواقعه للحراسة، وتقام الصلاة والطمأنينة والسكينة تحفّ المصلى، ورغم دوي المدافع والقذائف إلا أن الصلاة حاضرة بالخشوع والابتهال والدعاء إلى الله، وما أن ينتهي الجنود من صلاتهم حتى تدخل جماعة أخرى من الجنود إلى الصلاة ويأخذون مواقعهم زملائهم، وتستمر القذائف نحو العدو، وبمجرد الانتهاء من أداء الفريضة يعود الجميع إلى مواقعهم مراقبين راصدين تحركات العدو واقتناصه.
وعلى طول الشريط الحدودي تجد الغرف المحصنة فوق قمم الجبال، وهي غرف حديثة تمت الاستعانة بها منذ انطلاق عاصفة الحزم، وتوفر الحماية للجنود الموجودين فيها، والذين يتولّون عمليات المراقبة والرصد وتحتوي في مقدمتها على سلاح رشاش عيار 50 مل، وهي قادرة على توفير حماية أكبر للجنود المرابطين في تلك النقاط المنتشرة على طول الشريط الحدودي، ويتم من خلالها اكتشاف تحركات العدو والتعامل معها مباشرة وتمرير المعلومات عن الأعداد المشاهدة، ومن ثم تتولى وحدات المدفعية التعامل معها بكل دقة.
تحصين المواقع من ضروريات الحروب، حتى تتمكن القوات والآليات من أداء مهامها بكل اقتدار وتدمير العدو، وتعمد القوات إلى تأمين مواقعها من خلال “الهيسكو” أو ما يطلق عليها المستوعبات الرملية، وهي تحتوي على نحو 30 طناً من الرمل الناعم، وهي قادرة على صد هجمات العدو الصاروخية وتوفر حماية كبيرة للجنود والمرابطين.
ويمكن من خلال المستوعبات الرملية إدارة مسرح العمليات والمراقبة والرصد واستهداف العدو، ولا يكاد يخلو موقع على الحدود من المستوعبات الرملية، كما تم عمل مستوعبات من البيئة الطبيعية من خلال حشو الرمل الناعم داخل صناديق حديدية وسواتر، وذلك لتأمين المواقع وحماية الجنود وقد أثبتت فعاليتها خلال الحرب بصدّ عدد من مقذوفات العدو.
وما أن يسدل الليل أستاره حتى تبدأ وحدات المراقبة الإلكترونية مهامها وتقوم على المراقبة بواسطة الكاميرات الحرارية والمنتشرة على طوال الشريط الحدودي، وهي ذات كفاءة عالية أثبتت قدرتها على المراقبة والرصد قبل بداية عاصفة الحزم، وكانت تحقق نجاحات كبيرة في التصدي للمتسللين والمهربين وتمت الاستعانة بها بشكل مكثف خلال عاصفة الحزم وإعادة الأمل.
والكاميرات على أنواع عدة سواء الثابت والمتحركة والمحمولة على الكتف، ويتم من خلالها رصد تحركات العدو الذي يجعل الليل ستارا له لمحاولة التقدم باتجاه الحدود السعودية، غير أن جنودنا المرابطين على الحدود لهم بالمرصاد، حيث يتم رصد تحركات وتجمعات المليشيات الحوثية ومن ثم التعامل المباشر معها، أو تمرير المعلومات، وتتولى قوات المدفعية والطيران القضاء عليهم قبل الاقتراب من الحدود السعودية.
ورغم وعورة التضاريس الجبلية التي تحجب الرؤية في كثير من الأحيان، إلا أن تمركز القوات في قمم الجبال سهل عمل وحدات المراقبة الإلكترونية وكشف تحركات العدو ومن ثم اقتناصه، وقد حدّت وحدات المراقبة الإلكترونية من تحركات العدو وجعلته كامنا في كهوفه وضاعفت من القدرة على استهدافه والقضاء عليه.
وتقوم وحدات المدفعية السعودية بدور هام في ضرب مواقع للمليشيات الحوثية على الخطوط الأمامية في الحدّ الجنوبي، وتتميّز بدقة إصابة أهدافها من مسافة بعيدة، حيث تتمركز عادة في الخطوط الخلفية، حيث يبذل الجميع جهوداً كبيرة ويعملون بمنظومة عمل دقيقة، فهناك من يستقبل الإشارة وهناك من يستقبل الإحداثيات ومن يصوّب فوهة المدفع نحو الإحداثيات والمواقع المستهدفة، إلى جانب من يزود المدفع بالقذائف.
وما أن تعلو التكبيرات “الله أكبر” حتى تدوي قذائف المدفعية منطلقة إلى أهدافها بكل دقة، ومن ثم تأتي الإشارة عبر اللاسلكي عن دقة إصابة الهدف، ثم تمرير رسالة شكر والتقدير ودعوات للوحدة القائمة على استهداف تلك المواقع وسط فرحة الجميع بإنجاز المهمة على أكمل وجه.