قرية بها مباني قديمة و في نهايتها مقبرة تتاخم بيت شعبي قديم يعيش فيه مبارك وزوجته نورة وابنهم الصغير غريب و خلف البيت بئر ماء تغطيه شجرة سمر كبيره ..
حين يجن الليل بحلكة تصدر من البئر أصوات كثيره يسمعون فيها أهل البيت دوي تخبطات وثمة أشياء مخيفة من هنا وهناك فتارة يسمع صوت لتساقط الحصى على السطح وأحيانا تتحرك الأشياء من أماكنها فحين يكون الزوجان في عز نومهما يصحيان على الصخب المريع فيثب مبارك من فراشة ليتوجه إلى الباب تجري خلفه نوره حتى تنال من يده وتمنعه من الخروج خوفا أن يمسسه سوء ..
تهدأ الأصوات قليلا ويعودا الزوجان إلى الفراش خائفين وحين يأتيهما النوم وإذ بهما يسمعا صوت شيء يسقط على مكيف التبريد فيبعث ضجة مخيفه تجعلهما يشهقان من الرعب..
فأخذ كل منهما يتمتم ببعض ما تيسر من القرآن وامسكت الأم ابنها الصغير وضمته في صدرها حتى نام و بعد مشقة ووجل ينام الزوجان..
وحين انبثق الصباح شعرا بالراحة والأمان فأخذا نفسا عميقا متناغم بأجمل الاصوات التي تصدح بها الطيور.. وانتابتهما الغصة عندما شاهدا الكركبة التي حصلت في كل زوايا البيت، فدلف مبارك إلى الخارج ليرى البئر وحين وصل لم ير أي أثر سوى بعض الأوراق الصغيرة سقطت من شجرة السمر وتناثرت فوق غطاء البئر ..
فأنذهل عندما رأى السيارة قد مسخت ببعض الصدمات والخدوش..
سئم الرجل وقرر أن يهجر هو وزوجته المنزل ليستريح قلبهما من تلك الأشباح التي كانت تعيش بينهم، فنفذ الصبر عنده و قال: لم أجلس من الليلة في هذا البيت سنذهب نبحث عن بيت آخر يأوينا غيره..
فبعد مشقة وعناء وجدا بيتا مناسبا في قرية أخرى
فاتصل بسيارة النقل فعفش أغراض البيت برمتها ونقلها لبيته الجديد وقد بقيت ثمة اشياء بسيطة قرر أن يرجع إليها بعد المغرب..
كانت الليلة شديدة السواد صوت نباح كلاب من بعيد وعوي ذئاب مخيف.
حمل الأغراض المتبقية هو وزوجته بسرعة وركبا اما الطفل الصغير مبارك فأجلساهُ في المقاعد الخلفية فانطلقوا في الطريق الذي يخرجهم من القرية وبينما هم مستمرين في خط سيرهما وإذ تقذف عليهم الأحجار من كل جانب.
كان مبارك ممسك في المقود بكل ما أوتي من قوه يحاول ان يسيطر على اتجاههُ الصحيح وإذ به ينذهل هو وزوجته بالرجل الواقف أمامهم على بعد أمتار من السيارة التي تمشي بسرعة فكان رجل طويل يرتدي ملابس البياض ذو لحية وشوارب كثه بيضاء فشهق الزوجان من شدة الهول فحاول مبارك يحني المقود لكي لا يصطدم بهِ فلم يستطيع السيطرة فارتطمت السيارة في الشجرة الفخمة التي في حافة الطريق ولم يدروا بأنفسهم إلا وهم بين حنايا المستشفى...
وكلها أيام حتى تشافوا و عاشوا في بيتهم الجديد بكل راحة واطمئنان وبقت الذكرى المخيفة مترسخة في أذهانهم..
بقلم /محمد الزعابي