يقول الله تبارك وتعالى: "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون"، ويقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: «إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» [رواه البخاري]..
بين من يسرق ليعيش.. ومن يعيش ليسرق.. تضيع الحقوق!
وبين زحام الشعارات الرنانة، تضيع أصوات المظلومين الذين لا يجدون من هذه الشعارات حتى ريحها!
إذ تتجاوز نسبة البطالة في الدول العربية 16%، أي ما يزيد عن 20 مليون عاطل عن العمل.
*ما هو الفساد؟
حتى اليوم لا يوجد تعريف واحد ومحدد للفساد، إلا أنه وبحسب التعريف الذي اقترحته "منظمة الشفافية الدولية" The global coalition against corruption”" فهو: سوء استعمال المرء للسلطة التي أؤتمن عليها لتحقيق مكاسب خاصة. أما تعريفه حسب "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان": سوء استخدام المنصب العام أو استغلاله يهدف إلى خدمة أغراض خاصة أو تحقيق منافع شخصية مادية أو معنوية.
*هل ينتهك الفساد حقوق الإنسان؟
الفساد السياسي، الاجتماعي، الإداري، المؤسسي، المالي، الاقتصادي، التعليمي، الأخلاقي.. تطول وتتنوّع التعريفات، وتتفاوت التأثيرات التي تطال المجتمع وأفراده بسبب كل نوع منهم، إلا أن المتفق عليه بأن كل أنواع الفساد المذكورة تؤدي بالضرورة لفساد أكبر، وكل فساد صغير يكبر بلا شك كغيمة سوداء ليحجب نور الشمس عن أفراد المجتمع، إذ يمكن الربط بين حقوق الإنسان والفساد بأكثر من طريقة؛ الأولى: إمكانية وقوع انتهاك لحقوق الإنسان بسبب تصرف فاسد، والثانية: وقوع انتهاك لحقوق الإنسان مشترك بتدابير مكافحة الفساد، ومن الواضح أن "إفساد عملية التمتع بحقوق الإنسان" أثر من آثار الفساد بأنواعه على المجتمع. فالسارق سيحرص حتمًا على ألا يحظى المسروق منه بحرية الاعتراض، أو رفاهية محاسبته، مستعينًا على ذلك بقوّة المنصب، أو ثغرات القانون، أو انعدام الشفافية.
ومن الحقوق الأساسية للإنسان التي ينتهكها الفساد: حق الإنسان في الغذاء، والرعاية الصحية، وفي العمل، وفي التعليم، وفي المسكن، وفي الخدمات العامة، وغيرها.
*أثر الفساد على الصحة النفسية:
الضغط يولّد الانفجار، فإذا تتبّعنا سلسلة آثار الفساد بأنواعه ستصل حتمًا إلى نفسية أفراد المجتمع، فالفساد الاقتصادي يؤدي إلى إهدار موارد الدولة أو سوء استغلالها، وهروب الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وقلّة في فرص العمل، وتدنٍ في مستوى الدخل، وحرمان قطاعات أساسية من الدخل مثل قطاع الصحة والتعليم.. وعلى الصعيد السياسي فإن الفساد قد يؤدي إلى تشويه الدور المطلوب من الحكومة، وإضعاف هيبة دولة القانون والمؤسسات مما يعدم ثقة أفرادها فيها، وإقصاء الشرفاء والأكفاء عن الوصول للمناصب القيادية؛ مما يزيد حالة السخط والنفور بين أفراد المجتمع والحكومات..
وكل هذه الآثار ستؤدي بدورها لحالة من الفساد الاجتماعي من خلال انهيار نسيج المجتمع نتيجة عدم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، والتأثير بشكل مباشر وغير مباشر على أمن الدولة واستقرارها وسلمها الاجتماعي!.
وأوضح الطبيب "بابلو آرنولد" أن تفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به، يلعب دورًا في إصابته بالأمراض وشفائه منها؛ إذ يؤثر على التكوين النفسي والعصبي والمناعي للجسم، فضلًا عن ضغط الدم، ودرجة حرارة الجسم.
فإن جحور السوس التي تنخر في عظم أفراد مجتمعاتنا قد تكون قابعة خلف المكاتب الفاخرة، مما يستوجب رفع صوت ينادي بضرورة "المساءلة" و "الشفافية"، فوراء كل مدمن، وسارق، ومكتئب، هناك فساد ما؛ قاده ليكون بدوره فاسدًا فتدور الدائرة، إذ كل فاسد كبير يُنتج العديد من الفاسدين الصغار وبمستويات متفاوتة بلا شك!
وفي هذا الشأن لابد أن نستذكر الجهود الكريمة لولاة الأمر في هذا البلد المبارك لمحاربة الفساد ومحاصرته والقضاء عليه، والتي كان لها ثمار مباركة خاصة في السنوات الأخيرة، لا سيما مع تصريحات سمو ولي العهد حفظه الله في أنه لن ينجو فاسد، مما يعطي منهجًا حازمًا واضحًا في توجه المملكة من أعلى مستوياتها لمحاربة الفساد والذي ينخر كالسوس في المجتمعات .... ويستهلك صحتها النفسية كما يستهلك مقدراتها المادية.
بقلم/ سعود ساطي السويهري
أخصائي أول نفسي