حمل الحرفيون بمنطقة جازان عدتهم وعتادهم من صخور وطين وحديد وجذوع الأشجار , وحملوا خبرات السنين , وتاريخًا من الجهد والعمل , ليعرّفوا زوار قرية جازان في المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية , بأنواع الصناعات اليدوية التقليدية التي اشتهرت بها منطقة جازان قديما , واستمرت عبر السنين تراثًا أبدعه الآباء والأجداد , ويفتخر به الأبناء .
ويفترش الحرفي يحيى فقيهي جانبًا من قرية جازان , وقد امتدت أمامه جذوع أشجار الأثل , ليمارس مهنته في نحت الخشب لصناعة ” الصحفة الخشبية ” كآنية للشرب , فيما يشاركه في ذات المهنة الحرفي أحمد غميض , حيث يمارس الحرفيان ببراعة نحت الخشب بمقاسات مختلفة , فيما يتم دهن الآنية الخشبية بعد ذلك بسائل القطران لتكتسب لونها الأسود المعروف .
ولفتت براعة الحرفيين في نحت آنية الخشب أنظار الزوار , حيث تمتد خبرة كل منهما لأكثر من 70 عامًا في قصة وفاء للمهنة المتوارثة عن الآباء , فكانت جلّ تلك السنوات رحلات عبر أودية جازان بحثًا عن أشجار الأثل , للبدء في رحلة دائبة لنحت الآنية الخشبية التي تجد رواجًا كبيرًا لدى أهالي منطقة جازان وزوارها من مختلف المناطق .
ويستمتع الحرفيان فقيهي وغميض بالمشاركة لأكثر من 20 عامًا في مهرجان الجنادرية , الذي أسهم في الحفاظ على الموروثات الشعبية والصناعات التقليدية , فضلا عن التقدير الذي يجده الحرفيون سواء من إدارة المهرجان أو الزوار .
وفي زاوية أخرى يتكئ الحرفي جبران بن سالم , على جدار صخري يألفه كثيرًا , فقد قضى أكثر من 35 عامًا في علاقة مع الصخور , لنحت الأواني الحجرية , التي تحظى باهتمام كبير من زوار قرية جازان لاقتناء أنواع منها .
وقبل البدء بنحت الأواني , كان على الحرفي جبران أن يبحث عن أحجار النحت التي يتم العثور عليها في مواقع معروفة بين سفوح عدد من الجبال بالمنطقة , فيكون لزاما عليه أن يبدأ بعملية تشبه التنقيب ثم الحفر لأعماق تصل لأكثر من 20 مترًا , لاستخراج أحجار النحت , ليتم تشكيله نحتًا لآنية مختلفة الأشكال .
وأبدى الحرفي استعداده لتعليم الشباب مهنة نحت الآنية الحجرية , واصفًا مهنته بأنها تحمل إنتاجًا قليلًا ومحدودًا , ولكن بمردود اقتصادي متميز , مؤكدًا أنه لا يجد مشكلة في تسويق منتجاته من الأواني الحجرية , فهذا النوع من الآنية له اهتمام كبير لدى المشترين .
ويتعامل الحرفي محمد عقيلي مع عجينة الطين يدويًا وبطرق خاصة من التشكيل والتجفيف والحرق , وصولًا لصلابة ملائمة بعد تشكيلها كأواني فخارية , منها أوان للطبخ والشرب .
ويطالع زوار قرية جازان الحرفي عقيلي وهو يصنع ” الجبنة ” وهي الدلة الفخارية , التي شكلت في حقبة زمنية إلى جوار الفناجين الطينية ثقافة القهوة بمنطقة جازان , إلى جانب صناعة أواني الطبخ الفخارية من ” المغش والحيسية والبرمة ” وغيرها من الأدوات الفخارية , التي رسمت موروثات شعبية في حياة أهالي جازان آنذاك واستمرت مع تطور الحياة حاضرة في المطبخ الجازاني الحديث .
ويستعرض الحرفي محمد غماري أمام زوار القرية التراثية أنواعًا من الجنابي والسيوف , وهو يمارس مهنته في الحدادة في أحد أركان قرية جازان , إلى جانب صناعة أدوات أخرى منها الأدوات الزراعية القديمة من الفأس والمسحة والمحش والتي رسمت ملامح الجهود الزراعية لمزارعي جازان قديمًا .
ويمارس الحرفي إبراهيم أحمد مهنته اليدوية في حياكة الأزياء الشعبية في جازان بتطريز خاص وبألوان تميز الزي النسائي عن الرجالي , حيث ارتبطت تلك الأزياء الشعبية بمناسبات الفرح والأعراس لدى أهالي المنطقة ولا زالت عنوانًا للفرح لدى أبناء الجيل الحالي.
وحين يمارس الحرفيون جزءًا من الصناعات اليدوية التقليدية بمنطقة جازان أمام زوار مهرجان الجنادرية , فهم يرسمون لوحة للصراع الذي قاده الآباء والأجداد في رحلة الحياة القديمة مستلهمين من الطبيعة حولهم موارد بيئية , تعاملوا معها وأجادوا , وطوعوها فتحولت أدوات حياة , ومن ثم ثقافة وحضارة .