فاطمة الأحمد
استطاعتك أن تصنع َرموزٌ مدهشة وكبيرة وتقدم تصويراً آسراً هذا يعني أنك تنجح بطريقة مختلفة وتحقق شيئاً نادراً مؤثراً خاصةً عندما تُجيده بحرفية متناهية .
وهذا ما فعله طبيب القمر فيزلدر, حين استطاع أن يخلق تصورات دافئة وشاعرية تتغلغل إلى الدواخل بانسيابيتةٍ فاخرة في نفوس الناس باستعماله الرموز الكبيرة التي تعني سراً أكبر في حجمها وعنف تأثيرها وصدق مكانتها .
فقد أُشيع في برلين مطلع الثمانينات أن طبيباً يمارسُ الطب في قاعةٍ ضخمة يحضر لها المرضى من أماكن متفرقة وقد لُوحِظ أن السطور تصطف في الخارج من العميان وأصحاب العاهات والعرجان والمحبطين والبائسين حد الانتهاء.
وقد أشيع أنه فقط يُعرِّضُ المرضى لوهج القمر.
من المفارقات التي حدثت أن سيدةً ثرية كانت تشتكي مرضاً شنيعاً ولكنها لِمجرد أن سلطها الطبيب تحت الوهج حتى شُفِيت مما جعل القوافل الثرية وجميع الطبقات تزدحم عند قاعته!
كان المشهد وحده آسراً وكفيلاً أن يُنسي المريض شكواه فكانت القاعة نفسها تضم النوافذ الطويلة لتسمح للقمر أن يهيمنَ وحده ولضوءه أن يشع كالسحر ويسْتلب اللب في رحلةٍ علاجيةٍ مختلفة.
وكانت هناك قاعة أُخرى جنوبية تتصل بتلك القاعة عبر ممر طويل .
وحدث أن زوجة الطبيب كانت تَقُومُ بالشيء نفسه في قاعتها الجنوبية .
حين كانت السطور تنتظر يحدث أن تسمع صيحات وضجيج فيقال مثلاً إنه بتأكيد مريضٌ قد عاد له بصره أو استقامت أرجله المعطوبة منذ زمن!.
كل ما كان يفعله الطبيب أن يمدد مريضه تحت الشُعاع الفضيَ واضعاً يدهُ تحت موضع الألم ويقوم بدلكه برقة متناهية ويبقى ينظر للقمر والمريض يتأمل سحر المشهد فترةً من الزمن ثم ينهض بعدها متجدداً ووهّاجاً بطاقةٍ عالية و يدفعُ الأجرة السخية وهو قد شُفي حقيقة !
المفارقة التالية أن زوجة الطبيب تفعل نفس الطريقة في قاعتها ولكن من المستحيل أن يظهر القمر في كلتا القاعتين في وقت واحد!!
ولكنه التأثر بالمشاهد خلق المحيط الآسر وارتباط ذلك كله بالقمر كان كفيلاً أن يكون حقيقاً في الذهن مباشرة دون الواقع ليقوم بشفاء الروح .
المفارقة الثالثة أن فيزلدر لم يكن طبياً ! ولكنه كان على علمٍ بالطبيعة البشرية وقد استطاع أن يداعب خيالاتها ويشفي الألم الذي لم يكن سوي نَكساتٍ تُحْدِثُ خللاً داخلياً وتحتاج لشيء يسير من التأثير الطبيعي وحسب، فأكثر المرضى كانوا يُعانون من اعتلالاتٍ عاطفية أكثر منها عضوية.