دخل التطور الهائل الذي لحِق بوسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات في الفترة الأخيرة؛ ليغير خريطة المنافسة في عالم الصحافة التي بدأت تتحول إلى متغيرين مختلفين؛ هما: الصحف الورقية، والإلكترونية، بعد أن كانت هذه المنافسة تقتصر بين الورقية وبعضها فحسب، واكتسب هذا النوع الجديد من الصحافة أهمية بالغة منذ ظهوره أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وتزايدت أهمية الصحافة الإلكترونية مع توالي الأعوام وانتشار الإنترنت، وتضاعُف أعداد مستخدميه، فأصبحت غالبية المؤسسات الصحفية على الصعيدين العالمي والعربي، تمتلك مواقع إلكترونية لمطبوعاتها الورقية، لكن الجديد هو ظهور نوع جديد من الصحف غير التقليدية، وهو ما عُرف بـ”الصحف الإلكترونية “، والتي يقتصر إصدارها على النسخة الإلكترونية دون المطبوعة، كما يعود صدور أول نسخة إلكترونية في العالم إلى عام 1993م؛ حيث أطلقت صحيفة سان جوزيه ميركوري الأمريكية نسختها الإلكترونية، تلاها تدشين صحيفتي “ديلي تليجراف والتايمز” البريطانيتين لنُسختهما الإلكترونية عام 1994م.
مفهوم الصحافة الإلكترونية:
هناك محاولات كثيرة لوضع تعريف واضح للصحافة الإلكترونية، قام عدد من الباحثين بمحاولة لتحديد مفهوم الصحافة الإلكترونية:
“إثر التعرض للصحف الإلكترونية على إدراك الشباب الجامعي للقضايا السياسية العربية”، يثبت لنا مفهوم الصحافة الإلكترونية بأنها: (الصحف التي يتم إصدارها ونشرها على شبكة الإنترنت، وتكون على شكل جرائد مطبوعة على شاشات الحاسبات الإلكترونية، تغطي صفحات الجريدة، تشمل المتن والصور، والرسوم والصوت، والصورة المتحركة)
يثبت الدكتور رضا عبدالواجد أمين المفهوم الآتي: (هي وسيلة من الوسائل متعددة الوسائط multimedia، تنشر فيها الأخبار والمقالات وكافة الفنون الصحفية عبر شبكة المعلومات الدولية الإنترنت بشكل دوري وبرقْم مسلسل، باستخدام تقنيات عرض النصوص والرسوم والصور المتحركة، وبعض الميزات التفاعلية، وتصل إلى القارئ من خلال شاشة الحاسب الآلي؛ سواء كان لها أصل مطبوع، أو كانت صحيفة إلكترونية خالصة).
ومن بين جملة التعريفات التي عرفها الباحثون الغربيين؛ أمثال: (ماكلوهان، وسبيل، وسمث، وتوفلر… إلخ)، والعرب؛ أمثال: ( فايز عبدالله الشهري، وإحسان محمود الحسان… إلخ) – يعرف الصحافة الإلكترونية الدكتور عبدالأمير الفيصل في كتابه “الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي” بأنها: (جزء من مفهوم واسع وأشمل، وهو النشر الإلكتروني، الذي لا يعني فقط مجرد استخدام أنظمة النشر المكتبي الإلكتروني وأدواته أو أنظمته plate-to-computer المتكاملة؛ إذ يمتد حقل النشر عبر الإنترنت (online )، أو توزيع المعلومات والأخبار من خلال وصلات اتِّصال عن بُعد، أو من خلال تقنية الوسائط المتعددة وغيرها من النُّظم الاتصالية التي تعتمد على شبكة الحاسبات، وتعتمد نُظم النشر الإلكتروني عمومًا التقنية الرقمية التي توفِّر القدرة على نقْل ومعالجة النصوص والصوت والصورة معًا، بمعدلات عالية من السرعة والمُرونة والكفاءة.
أنواع الصحف الإلكترونية:
تنقسم الصحف الإلكترونية على شبكة الإنترنت إلى نوعيين رئيسين؛ هما:
1- الصحف الإلكترونية الكاملة: on – line newspaper، وهي صحف قائمة بذاتها وإن كانت تحمل اسم الصحيفة الورقية (الصحيفة الأم).
2- النسخ الإلكترونية من الصحف الورقية: وهي مواقع الصحف الورقية النصيَّة على الشبكة، والتي تقتصر خدماتها على تقديم كل أو بعض مضمون الصحيفة الورقية، وخدمة تقديم الإعلانات لها، والربط بالمواقع الأخرى.
ويرى فهد العسكر وعبدالله الحمود أن الإصدارات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، تنقسم بحسب مدى التزامها بسمات الصحافة الإلكترونية إلى نوعين:
1- النوع الأول: الصحف الإلكترونية: وهي تصدر عن مؤسسات صحفية لها إصدار مطبوع، ومع ذلك لا يشترك الإصدار الإلكتروني مع الإصدار المطبوع إلا في الاسم والانتماء للمؤسسة الصحفية فقط، والصحف التي تصدر بشكل إلكتروني مستقل، دون الارتباط بإصدار مطبوع، بحيث تؤسس الصحيفة على أنها إلكترونية.
2- النوع الثاني: النسخ الإلكترونية من الإصدارات المطبوعة: وهي النسخ التي تصدر عن مؤسسات صحفية لها إصدار مطبوع، وبالتالي فهي بمثابة إعادة نشْر ما سبق نشره في الإصدارات المطبوعة[5].
وفي كتابه الاتصال والإعلام على شبكة الإنترنت يصنف الدكتور محمد عبدالحميد صحافة الشبكات إلى أربعة أشكال من خلال مجالات المشاركة إلى الآتي:
1- المواقع الإخبارية السائدة: (وهي المواقع شائعة الاستخدام كوسيلة إخبارية على شبكة الويب، تقدم مختارات من المحتوى التحريري المرتبط بالوسيلة الأم cnn ,bbc ، أو منتجًا مخصصًا للنشر على الويب).
2- مواقع الفهارس والتصنيف: (وهذه المواقع ترتبط غالبًا بأي من محركات البحث؛ مثل: جوجل، التافيستا، ياهو، وكذلك بعض من شركات بحوث التسويق والوكالات، وبعض المشروعات الفردية).
3- مواقع التعليق على الأخبار وآراء الإعلام، (وتنتمي هذه الفئة في بعض الأحيان إلى الصحافة الرقابية)، وفي أحيان أخرى تعتبر امتدادًا لفئة مواقع الفهارس والتصنيف؛ مثل: مواقع المناقشة والمشاركة.
4- ويجسد هذا الشكل العلاقة بين المحتوى والاتصال؛ أي: إن الناس تريد الاتصال بالآخرين على المستوى العالمي[6].
بدء سقوط الصحف الورقية أمام الإلكترونية:
لعل بدء سقوط الصحف الورقية في مقابل الورقية، قد بدأ بزيادة عدد الزائرين للإلكترونية، واعتمادهم عليها في التعرف على الأحداث اللحظية التي تقع ليس في موقعهم فحسب، وإنما في مختلف دول العالم بأقل التكاليف.
ونتيجة لذلك وقبل فترة طويلة أعلنت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” عن إيقاف نسختها الورقية نهائيًّا (بعد انخفاضها إلى 200 ألف نسخة)، والاكتفاء بنسختها الإلكترونية (التي يتجاوز زوَّارها المليون قارئ)، أما صحيفة اللوموند الفرنسية، فوصلت إلى حافَة الإفلاس؛ (حيث وصلت ديونها إلى 150 مليون يورو العام الماضي)، في حين تحقق نسختها الإلكترونية نجاحات متواصلة بين الشعوب الناطقة بالفرنسية.
السقوط التدريجي للصحف الورقية مقابل الإلكترونية، جعل الكثير يتكهَّن بانقراض الصحافة الورقية، وربما باختفائها نهائيًّا بعد أعوام قليلة تباينت التقديرات في تحديدها على وجه الدقة، وقد يكون من المنطقي جدًّا تغلب الصحافة الإلكترونية والإعلام الإلكتروني بشكل عام في وقت قريبٍ؛ تماشيًا مع واقع العصر الذي نعيشه، ومستقبل الأجيال القادمة التي ستكون بالطبع أكثر استيعابًا واعتمادًا وتأهيلاً لذلك، غير أن القول بضرورة اختفاء الطباعة الورقية أو الجزم باندثارها تمامًا، ليس له ما يُبرره، فالإذاعة رغم انتشار الفضائيات والحد من تأثيره واستخدامه، فإنه ما يزال عنصرًا ووسيلة هامة من وسائل الاتصال والإعلام.
بالرغم من المؤشرات الإيجابية الكثيرة التي تصب في صالح الصحافة الإلكترونية، فإن كثيرًا من الصعوبات والتحديات والسلبيات، ما تزال تشكل حجر عَثرة في طريق تفوُّقها؛ مما يُوجِب على المهتمين بهذه الصناعة العمل على تلافيها في المستقبل، إذا ما أرادوا النهوض بها، وتتلخص فيما يأتي:
1- تعاني أغلب الصحف الإلكترونية من صعوبات مالية تتعلق بالتمويل.
2- غياب التخطيط وعدم وضوح الرؤية المتعلقة بمستقبل هذا النوع من الإعلام.
3- عدم وجود عائد مادي لدى أغلب هذه الصحف كما هو الحال في الصحف الورقية، عن طريق الإعلان؛ إذ إن المعلن ما يزال يشعر بعدم الثقة في الصحافة الإلكترونية، بل ويعتبر الورقية أكثر جدية.
6- عند استقراء أغلب هذه الصحف الإلكترونية، اتَّضح أن الكثير منها يقوم على سياسة الاستنساخ من الصحف المحلية والعالمية، ووكالات الأنباء، حتى ومن بعضها البعض، فأصبحت هذه الصحف تعتمد غالبًا على النسخ واللصق، الذي يصل أحيانًا إلى حد السرقة الصريحة، واستبدال أسماء المحررين والكُتَّاب بأسماء أخرى، ويرجع ذلك غالبًا إلى ضَعف الإمكانيات المادية، وقلة عدد المحررين، مع غياب المحاسبة والرقابة في المقام الأول.
مميزات الصحافة الإلكترونية:
1- قلة التكلفة المالية التي يتحملها الجمهور مقارنة بالصحافة التقليدية، فعن طريق الاشتراك في خدمة الإنترنت، تستطيع تصفح كافة الصحف والمجلات التي تمتلك مواقع إلكترونية، في حين أنه من الصعوبة بمكان أن تشترك في كافة هذه المطبوعات أو تقتنيها.
2- ومما يميز الصحافة الإلكترونية عامل الوقت، فالصحف الإلكترونية بتحديثها مستمرة على مدار الساعة، في حين أن الصحافة المطبوعة ومواقعها الإلكترونية يتم تحديثها كل أربعة وعشرين ساعة، الأمر الذي يجعل الصحافة الإلكترونية تحرق الأخبار كما يقال، أو تجعلها عديمة الفائدة في الجرائد المطبوعة، فتصبح عبارة عن أحرف تملأ بها المساحات، فإذا كانت الصحيفة تطبع في تمام الساعة الثانية عشر صباحًا مثلاً، ووقعت حادثة في ساعات الصباح الأولى، فحتى تنشره الجريدة يحتاج ليوم كامل، الأمر الذي يكون معه الخبر مستهلكًا وقديمًا في ظل وجود الصحافة الإلكترونية التي تستطيع تغطية الحادث خلال دقائق من وقوعه.
3- سهولة تعديل المعلومات وتصحيحها وتحديثها بعد النشر، وسهولة نقل المعلومة وتداولها وحفظها، واسترجاعها وسرعة انتشارها في أسرع وقت ممكن.
4- إمكانية تضمين الخبر مقاطع صوتية أو لقطات مصورة بالفيديو؛ مما يجعل التغطية أكثر ثراءً وجذبًا للقارئ وتعايشًا مع الحدث.
5- من أهم ما يميز الصحافة الإلكترونية: كونها صحافة تفاعلية، فبإمكان القارئ التعليق على الخبر فور قراءته، والتواصل مع جمهور القراء ومناقشة الآراء والأفكار، وكذلك بإمكانه إرسال مشاركاته من الأخبار والمقالات، ونشرها باسمه الصريح أو المستعار، أو عن طريق عمل مُعرِّف خاص به، يتمكن من خلاله من إضافة تعليقاته ومشاركاته.
6- توفير أرشيف صحفي ضخم يُتيح الحصول على المعلومات بسهولة ويُسر، من خلال محركات البحث، وعدم حاجة المؤسسات الصحفية إلى مقر واحد ثابت يحوي كل الكوادر العاملة، فالصحف الإلكترونية اليوم يعمل أغلبها عن طريق المراسلة الإلكترونية.
هذه المعطيات السابقة وغيرها دفعت الخبير الأمريكي في الصحافة الاستقصائية سيمور هيرش للصحافة الإلكترونية – إلى تشبيه الصحافة الإلكترونية بالخيول التي انطلقت من زمامها ولا يمكن توقيفها، وهو ما حدا أيضًا برئيسة منظمة الصحافة العالمية مارثا ستون إلى التأكيد على تغيير الصحافة الإلكترونية لمعايير الأداء والتقييم العالمية بقولها: “لن يخضع تقييم أي مطبوعة في المستقبل لمستوى جودتها الطباعية، بل لغنى وتطوُّر المحتوى مقارنة بالمحتوى الإلكتروني، كما سيأخذ بعين الاعتبار أسلوب إدارة تكلفة العملية الطباعية”.
كذلك من المهم جدًّا توخي المعايير المهنية العالمية؛ من أجل صحافة إلكترونية أكثر تأثيرًا، ومن تلك المعايير حداثة الخبر وتحديثه على مدار الساعة، وسهولة تعاطي الزائر مع الصحيفة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، ويمكن حساب درجة التفاعلية بين الوسيلة والجمهور بسهولة ومُرونة أكثر من نظيرتها المطبوعة، وذلك عن طريق متابعة عدد الزوار من خلال المواقع التي تُعنى بهذا الغرض؛ مثل موقع elexa العالمي، فضلاً عن إجراء الاستبيانات والاستطلاعات التي تفيد في تقييم وتقويم موقع الصحيفة من حيث مستوى الإقبال، ووجود الخدمات الضرورية المتعلقة بالبحث والأرشفة، وتنوُّع النوافذ، وما إلى ذلك من المقاييس التي تحكم على مستوى الإلكترونية؛ من حيث التراجع، أو الثبات، أو التقدم على أشكال بيانية، أو متواليات عددية، أو هندسية، كذلك تجب العناية الفائقة بجودة التصميم وتجديده بين الحين والآخر إذا تطلب الأمر.
التعليقات 1
1 ping
نورالهدى
22/03/2022 في 2:10 م[3] رابط التعليق
اريد مراجع على الصحافة الالكترونية