بدرية عبدالعزيز
ظهيرة مساء يوم الأحد ، في منتصف الشارع ، حرارة الشمس التاسعة و الأربعون درجة مئوية دثرتك و كأنها قميصك الذي ترتديه ، تحمل أكتافك و تجر قدميك لتصل للجزء الآخر من الطريق ، عابس الوجه ، قلبك يشتعل غضبا أكثر من حرارة الشمس الحارقة ؛ أخيرا قطعت الطريق و وصلت لباب المنزل ، و أخذت تلتقط أنفاسك لتنفثها أمام أهل بيتك كعادتك ! ، ليتكرر سيناريو الغضب الساقط منك على قلب منزلك ليتصدع و يتألم و ينزف جرحا لن يلتئم لأن هناك غدا جديد و غضب جديد سيركض منك إلى من هم حولك !
لكن ماقصة ذلك الغضب ؟ ليجيب صدى صوتك المنتشر في الأرجاء قائلا :
لقد تعبت من أجلكم ، أمكث تحت هذه الشمس الحارقة من أجل أن تبقوا في ضل ضليلا ؛ إلى متى أعمل لأعيلكم ، لقد سئمت من هذه الحياة ، جبيني يتصفد عرقا كل صباح لأوفر لكم رغد العيش و ليتكم تستحقون ما أقدمه ! كل قرش أقدمه لكم ثمنه إنهاك يداي و قدماي و كل خلية بداخلي ، لذلك أريد مقابل لما أقدمه أو أريد أن أتوقف عن خدمتكم التي لا فائدة تجنى منها ! …. و هكذا يستمر شريط الأيام بهذا التكرار الكئيب حتى تلك اللحظة التي أتى بها فاصل إعلاني عبر المذياع في لحظة هدوء تسلل صوت قارئ عذب يردد :
﴿وَلا تَمنُن تَستَكثِرُ﴾
﴿وَلا تَمنُن تَستَكثِرُ﴾
﴿وَلا تَمنُن تَستَكثِرُ﴾
ما سر هذه الجملة المكونة من حرفين و كلمتين !و لماذا هذا التكرار الملح ! و الجواب في قلب المعنى للآية العميقة ألا و هو : لا تعطي العطية كي تلتمس أكثر منها !
كم مرة تضجرت عندما صنعت معروفا لأهل بيتك ؟
كم مرة قدمت عطاء شاحبا كدر قلب من قدمته له بسبب طريقتك في العطاء ؟ كم مرة أردت المزيد و المزيد مقابل ما تقدمه ؟ كم مره أردت المقابل في الشكل الخطأ حتى صار تمنن و تستكثر ! ليس الخطأ في أن تأخذ مقابل أنما الخطأ في أن يتحول المقابل إلى ﴿تَمنُن تَستَكثِرُ﴾ .