كان لصحيفة “خبر عاجل” لقاء مطول مع الأكاديمي والكاتب السياسي العراقي المخضرم الدكتور فراس محمد الزوبعي تم به تناول قضايا عدة حول تظاهرات العراق الأخيرة فكان النقاش حول مستقبل هذه الثورة السلمية وعن أسبابها وتداعياتها ومدى إستجابة الساسة العراقيين وعن تدخل إيران الواضح في القرار العراقي وبطش المليشيات بالمتظاهرين وسقوط المئات من القتلى والاف من الجرحى في بغداد وبقية محافظات العراق كما طرحنا كثير من الأسئلة نكتفي بعرض إجابات اللقاء، فكان حديث الدكتور فراس التالي:
الأسباب هي في الواقع مواضيع تراكمية منذ ١٦ سنة ليست وليدة اللحظه او حدث معين تسببت بهذه المظاهرات المتكرره غير أن هذه المظاهرات الأخيرة كانت الاقوى ..بعد الإحتلال الأمريكي للعراق جاءت أمريكا بنظام محاصصة طائفية وعرقية ليست محاصصة من نوعاً واحد فقط وتوزعت الحصص بنسب مختلفة كما حددتها أمريكا على المكونات العراقية فكان للشيعة النصيب الأكبر وباقي مكونات المجتمع لها أيضا حصص مختلفة ولكن رافق هذا الإحتلال سيطرة واحتلال إيراني للساحة السياسية في العراق من خلال أحزاب موالية لإيران أتت مع الإحتلال تشحن المجتمع العراقي طائفيا، وتحاول إيجاد جمهور جديد من خلال هذا الشحن والتعبئة الطائفية وكان الإحتلال الأمريكي مرحباً بهذه الطرق التي تسلكها إيران في محاولات شرخ المجتمع طائفياً الى ان اوصلت المجتمع لهذا المنحدر الطائفي بالفعل
حتى أن الاحزاب السياسية المحسوبة على إيران كانت في الظاهر توحي لجمهورها بأنهم مواطنون من الدرجة الأولى وغيرهم من بقية الشعب يعتبرون من الدرجة الثانية والثالثة وهكذا، وبعد مرور ستة عشر سنة عانا بها الشعب العراقي بكل طوائفه أشد المعاناة، فأدرك الشارع العراقي ان هذا الكلام غير صحيح والواقع ان الشعب بأكمله مغيب والسلطة انحصرت بأيدي ثلة قليلة من مجاميع حزبية ومليشيات تقتات على حساب الشعب ولذلك كانت تظهر كل فترة واخرى مظاهرات ولكن فالواقع كان مسيطر عليها. هذه المرة في يوم 1/اكتوبر خرج الشعب في مظاهرات وقد سبقتها تظاهرة عدد من الخريجين من أصحاب الشهادات العليا كانوا يطالبون بالتعيين ولم تلبي لهم الدولة اي مطالب بل تجاهلتم، بعد هذا بأيام كانت الدولة تضغط على الشارع وتضيق على الناس من خلال ممارسات أمانة بغداد والشرطة وتحارب الباعة المتجولين وباعة الأرصفة والمحلات الصغيرة وكان يستهدف بها الناس الضعفاء بالإضافة إلى أن الجمهور العراقي ناغم على السلطة والاحزاب التي تقود البلد بالأصل جراء مايحدث لهم مع علمهم بغنى بلدهم فكانت هذه بداية الشرارة .
في تظاهرات ١ اكتوبر كانت المواجهة عنيفة جدا واستقبلت الدولة المتظاهرين بالرصاص الحي واستخدمت لصدهم قنابل غاز حربية وليست قنابل الغاز المسيلة للدموع المتعارف عليها فكان الرد عنيف جدا أسقط الكثير من المتظاهرين جرحى وقُتل العديد منهم وكان الاستهداف واضح من خلال الاصابات القريبة حيث الرأس والصدر فتم تفريقهم وعادوا للتحشيد إلكتروني وبداو ممارسة عملهم من خلال وسائل التواصل لجمع اكبر عدد مؤيد لتظاهرة ٢٥ اكتوبر وبالفعل هذا ماحصل وخرج الكثير في هذا اليوم وأصبح يزداد العدد يوماً بعد يوم القمع المفرط لايعبر عن سيطرة الحكومة بقيادة عادل عبدالمهدي بل على العكس كان يعبر عن إرتباك واضح وعدم اتزان بالتصرف لأفراد هذا النظام الحاكم والاحزاب التي تعمل معه والمليشيات المتنفذه التي تمسك الأرض بالواقع وكان هناك تخبط شديد في الأيام الأولى وحتى بهذه الايام لايدرون ماذا يفعلون وكان خيار القمع المفرط هو الخيار الذي يلجأون اليه كما تلجأ له إيران تماما مع الشعب الإيراني ولاننسى ايران هي من أوعزت للمليشيات في العراق بهذا التصرف مع المتظاهرين.
تصريحات المسؤولين الإيرانيين الان تجاوزت مرحلة مندوبيهم في العراق ولبنان بل أصبحت التصريحات مباشرة ومن أعلى الهرم في النظام الإيراني كالمرشد الأعلى خامنئي او روحاني ورئيس الحرس الثوري وغيره وماتفعله إيران الان تخبط لأنهم ادركوا ان العراق ولبنان ستخرج من عبائتها. وهذه التصريحات صبت في صالح المتظاهرين سواء في العراق او لبنان، تخبط إيران فضحها أمام الجماهير من خلال تصريحات قادتها مما زاد حنق المتظاهرين على إيران اكثر حتى شاهد العالم ردة فعل المتظاهرين من خلال عبارات موجهة لإيران وقادتها مباشرة تطالبهم بالخروج من بلدانهم.
وخلال الأيام الأولى للتظاهرات سواء في بداية مظاهرات 1 اكتوبر او 25 اكتوبر كثيراً من المتظاهرين الذين احتكوا بالجيش والشرطة ذكروا ان أفراد الأمن يتبرأ من ضرب المتظاهرين وبعض المتظاهرين عرض صور هويات وبطاقات تعريفية وجوازات للإيرانيين لانعلم مدى صحة ماعرض والبعض رصد مما يدل على تواجد قوات إيرانية ولكن اي كانت المصادر فالتصرف هو بأمر إيراني والمليشيات التي تواجه المتظاهرين أغلبها يعمل لصالح إيران ولاتعبأ بالمتظاهرين ولاتتردد لحظة بقتل المتظاهرين وإصابتهم إصابة مباشرة وهذا الوضع لايقتصر فقط على بغداد بل هناك الأعمال الكبيرة تحدث في المحافظات الأخرى تحصل بوسط وجنوب العراق حيث اغلقت منشئات النفط في ميسان والعمارة والبصرة أيضا ولكن الإعلام مع ضعفه في تغطية التظاهرات فهو يغطي مركز المظاهرات في وسط بغداد فقط ولايهتم كثيرا بما يحدث بالمناطق الأخرى.
أجمل ما في المظاهرات هو سقوط الطائفية بالعراق بعد أن تقدمت إلى مراحل متقدمة بفعل الاحزاب والمليشيات وسياسة إيران وأعتقد انها هذه افضل ماحدث وهذا من مقومات نجاح الشعب العراقي فالان كل الشعب بجميع اطيافه يرفض الطائفية والشعار الوحيد هو “نريد وطن” الراية الوحيدة هو العلم العراقي ونبذ المتدينين والمؤسسات الدينية اي كانت واي كان مصدرها وتوجهها ونهجها بشكل واضح كان حاضرا بل تُحملهم المسؤولية كاملة .
كان التعاون حاضراً كان وكانت الألفة سائدة كان الدعم الشعبي للمتظاهرين والتوحد للقضية الوطنية هو المتسيد للموقف.
خروج إيران من العراق سيأتي على مراحل والمرحلة الأهم عملياً أن إيران لم تكن لها أرضية ومحضن في العراق كانت في السابق تعتمد على شرذمة من المليشيات والاحزاب تنفذ اوامرها وهذه المليشيات والاحزاب وقعت بمشكلة كبيرة وستعاني في مابعد لأنها خسرت الجمهور ولم تعد مرغوبة بل هوجمت مقراتها من قِبل الجمهور الذي كانت تجد به محضن او موطئ قدم واصبحت مرفوضة وقد تخسر ليس الجمهور فقط بل ستكون خسارتها اكبر ولا اتوقع ان تعود إيران للعراق جماهيرياً بعد ماحدث .
ماحدث حقيقة هو لحظة انفجار لشحن استمر لسنوات طويلة لأوضاع مزرية حطمت العراق حطمت العراقيين لذلك تجد الساحات مكتظة بصور ونماذج لم يتوقعها احد سواء من الطلاب والشباب والشابات ومنسوبي الصحة و الأطفال وكبار سن ونساء ومسنين تجاوزت أعمارهم الثمانين ومن المرضى وذوي الاحتياجات الخاصة الكل تجده خرج وعلق اماله على المتظاهرين وتشجيعهم على عدم الرجوع حتى الحصول على المطالب من خلال الدعم الشعبي الواضح. ومع هذا كله تجد السلام يعم المتظاهرين ولم تسجل حالة مخالفة واحدة وحتى في حضور السيدات من ممرضات ومتعاونات يقدمن الغذاء توفر لهم حماية من المتظاهرين نفسهم تقوم بحمايتهم من المليشيات والمندسين التي قد تزج بهم المليشيات للساحة.
واتوقع اذا استمر الوضع على ماهو عليه ستتحول المظاهرات إلى ثورة حقيقية ضد هذه المليشيات وهذا النظام التابع لايران وستكون الثورة عارمة ضد الوجود الإيراني وستقتلع جذور إيران من أرض العراق نهائيا.
بالنسبة للمحافظات الغربية والشمالية منذ بداية المظاهرات لم تقدم اي نشاط ولكنها ظهرت سابقا قبل سنوات بنفس هذه المطالب ولكن للأسف وقتها كانت الطائفية على أوجها وكان بعض الشباب من هؤلاء المتظاهرين اليوم كانوا قد وقفوا ضد تظاهرات المحافظات الغربية بسبب الشحن الطائفي للأسف وكان يُتهم أهلها بالتطرف والبعثية ونقل صورة غير واقعية فانتهت بالقضاء عليها من قِبل نوري المالكي الذي اجرم بحق المحتجين ولكن لايصح الا الصحيح فهاهو الشعب العراقي يتوحد ومن الصور المشرقة ان اهل المحافظات الغربية انهم صمتوا لصالح المظاهرات الحالية التي خرجت من بغداد والمحافظات الجنوبية وقالوا لهم نحن معكم وندعمكم لوجستيا ومعنويا وإعلاميا ودعمكم من خلال إرسال الإمداد الغذائي لساحة التحرير وايضا هناك متظاهرين من كل الطوائف للعلم ان بغداد تحتضن كل مكونات الشعب العراقي من سنة وشيعة ومسيح والخ من الطوائف.
وبالنهاية أشكرك اخي ياسين سالم واشكر صحيفة “خبر عاجل” وإهتمامها بقضيتنا وعلى تناولها اخبار العراق بشفافية .