لقد صنع جيسوس نقلة تكتيكية مع فلامنجو.. لم يتأثر بالظلم الذي حدث مع الهلال السعودي، وتخلص أخيرا من لعنة النهائيات التي رافقته مرارا وتكرارا مع بنفيكا في زمن فات، ليحقق البطولة التي فشل في الوصول إليها منذ 38 عاما!
بدأ جورجي جيسوس برسم قريب من 4-2-3-1، بتواجد فيليبي لويس، ماري، كايو، ورافينيا بالخلف، أمام الحارس ألفيس. وفي الوسط ثنائية جيرسون وأراو، أمامهما برونو هنريكو وأراسكايتا وريبيرو بالثلث الهجومي الأخير، على مقربة من جابرييل باربوسا رأس الحربة.
أما جاياردو فحافظ على خطته المفضلة 4-1-3-2، بتمركز مونتييل، كوارتا، بينولا، وكاسكو بالدفاع، أمام فرانكو أرماني. وفي المنتصف إنزو بيريز أسفل الدائرة، أمامه الثلاثي فيرنانديز، بالاسيوس، وكروز. وفي الهجوم لا خلاف على الثنائي رافائيل بوري وماتياس سواريز.
استوعب فلامنجو بسرعة أساليب جيسوس وأفكاره التدريبية، وأنتج علامة تجارية منعشة لكرة القدم في دوري تعوقه ثقافة التدريب المحافظة والتفكير على المدى القصير، كما وصفت “فوربس” بإيجاز تجربة البرتغالي في البرازيل. خلال أيامه الأولى في مجمع التدريبات، أتقن المدرب أن بعض اللاعبين في حاجة إلى زيادة الأحمال البدنية، واستأجر طائرة بدون طيار لمراقبة التكتيكات والركض أثناء الإحماء لضبط السرعة. قال جيسوس في مؤتمر صحفي سابق: “لم أقل قط أن المدربين البرازيليين عفا عليهم الزمن. قلت فقط إن المهارات أكثر قيمة من التكتيكات هنا”.
مع كل هذا فإن الفريق يلعب باندفاع هجومي بعض الشيء، كعادة جيسوس مع فرقه السابقة، لذلك لعب فلامنجو النهائي وكأنه لقاء عادي في الدوري المحلي، دون هدوء أو تركيز مضاعف، مما جعل هناك مساحات بالخلف في دفاعه، حتى مع المبادرة في الهجوم ومحاولة الضغط في نصف ملعب ريفر بليت.
يمتاز جاياردو عن معظم مدربي الأرجنتين وأمريكا الجنوبية أنه مثقف تكتيكياً، بمعنى أنه يشاهد المباريات الأوروبية، يتابع كل ما هو جديد، يعرف ما يقدمه المدربون حول العالم، لذلك يسبق بخطوة أو خطوتين أقرانه في بلاد الفضة، وحتى على مستوى منافسات القارة اللاتينية، لذلك لا غرابة أبداً في فوزه ببطولتين ليبرتادوريس سابقاً.
فريق ريفر بليت مع جاياردو يملك ثقافة النهائيات، في التمركز المثالي والانتشار الصحيح، بالإضافة إلى الحسم أمام المرمى، وكأنهم فريق أوروبي لا لاتيني، في إنهاء الفرص والهدوء مع ملأ الفراغات بذكاء، سواء عند الاستحواذ أو الدفاع من دون الكرة، لذلك لا غرابة أبداً في سجلهم المثالي خلال بطولة دوري أبطال أميركا الجنوبية.
قرأ مدرب الريفر منافسه جيداً، لذلك بدأ اللقاء بتحفظ دفاعي بعض الشيء، مع ترك الكرة لفلامنجو والاعتماد أكثر على التحولات السريعة، بالتركيز أكثر على مناطق أسفل الأطراف، بالتحديد تجاه أظهرة الفريق البرازيلي، رافينيا يميناً وفيليبي لويس يساراً، مستغلاً نقطة ضعف منافسه في وجود مساحات شاغرة بين الجناحين والظهيرين، وكبر سن هذا الثنائي تحديداً في ضبط المرتدات، ليحصل حامل اللقب على عدة فرص بنفس الطريقة، ألا وهي التحولات الخاطفة.
تقدم ريفر بليت عن طريق بوري بنفس الطريقة، حيث حصل الفريق على الفراغ المطلوب خلف فيليبي لويس على اليسار، ليلعب فرنانديز العرضية القصيرة، ويقابلها بوري في الشباك، بعد انشغال دفاعات فلامنجو بزميله سواريز، المهاجم الثاني في تشكيلة جاياردو.
تدخل جيسوس سريعاً في الشوط الثاني ليشرك دييجو مكان جيرسون، ويتحول من 4-2-3-1 إلى ما يشبه 4-1-4-1، بوضع أكبر قدر ممكن من اللاعبين في نصف ملعب منافسه، مع قيام أراو بالتغطية العكسية، بينما حافظ جاياردو على نهجه التكتيكي بالواقعية الخططية، وعدم الاندفاع الهجومي مهما كانت العواقب.
حصل فلامنجو على بعض الفرص للتسجيل، بسبب الضغط الكبير من لاعبيه سواء في الافتكاك أو فتح الملعب عرضياً بواسطة الثنائي برونو هنريكي وأراسكايتا، وكاد أن يسجل “جابيجول” هدف التعادل لكنه اصطدم بقوة دفاعات ريفر، مع بسالة حارسه الأرجنتيني فرانكو أرماني.
هاجم فلامنجو بضراوة في الدقائق الأخيرة، خاصة بعد مشاركة فيتينيو مكان أراو، ليضرب جيسوس بكل أوراقه الهجومية، ويأتي الرد سريعاً، بعد حصول هنريكو على الفراغ المطلوب أسفل الأطراف، ودخول أراسكايتا في العمق على مقربة من باربوسا، ليحصل المهاجم على الفرصة الذهبية، ويسجل هدف التعادل في الدقائق الأخيرة، نتيجة الثنائية الرائعة بين الجناح وصناع اللعب زميله خلف دفاعات ريفر.
لم يتوقف فلامنجو عند هذا الحد، ليسجل “جابيجول” هدف الفوز بعد استغلاله هفوات قاتلة من الدفاعات الأرجنتينية، في لحظة غير متوقعة بالمرة، ليخطف الفريق البرازيلي فوزاً تاريخياً على حساب حامل اللقب، ويحصل على بطولة كوبا ليبرتادوريس بعد غياب تخطى الثلاثين عام، في إنجاز يحسب لعقلية المدرب البرتغالي الذي لا يستسلم أبداً، في هجومه وتبديلاته وجرأته، وبمساعدة هجومه القاتل بقيادة الهداف العائد من بعيد، جابرييل باربوسا.