
عادت قلعة “الدَّقَل”، إحدى أبرز المعالم الأثرية في مدينة أبها، إلى الواجهة من جديد بعد أن أنهت هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة مشروع الترميم الإنقاذي للقلعة، مؤكدة بذلك على عمقها التاريخي وأصالتها المعمارية، لتغدو وجهة تراثية وثقافية بارزة في منطقة عسير.
القلعة التي تتربع على قمة جبل في الجهة الشمالية الغربية من أبها، بارتفاع يبلغ نحو 2342 مترًا فوق مستوى سطح البحر، تتميز بموقع إستراتيجي أتاح لها تاريخيًا مراقبة الطرق الجبلية المحيطة، وفق ما أشار إليه الدكتور غيثان جريس، عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد، الذي قدّر تاريخ بنائها بأكثر من 110 أعوام، وتحديدًا في عام 1334هـ.
وقد شمل مشروع الترميم إعادة بناء الأجزاء المتداعية باستخدام نفس الأحجار المحلية، مع الحفاظ على الطابع المعماري التقليدي، وتنظيف الممرات والأقسام الداخلية، ما يعزز من جاهزيتها لاستقبال الزوار والمهتمين بالتراث.
وفي دراسة أكاديمية منشورة في كتاب “تحصينات مدينة أبها” (2006م) للباحث الدكتور محفوظ الزهراني، ورد أن اسم “الدَّقَل” يعود إلى دلالة لغوية تشير إلى الارتفاع والعلو، كما جاء في “لسان العرب”، إذ يُقصد به الخشبة التي يُشد عليها الشراع وسط السفينة، رمزًا للشموخ.
وأظهرت الدراسة أن القلعة شُيدت على تضاريس صخرية صلبة أثّرت على تصميمها الهندسي، إلا أن المعمار التقليدي استطاع التكيّف مع طبيعة الأرض، فجاء البناء مستطيلاً بطول 43.6م وعرض 16م، مع واجهة شمالية شبه دائرية، كما استُغلت الانحدارات والصخور في الجهتين الشمالية والغربية لتعزيز الدفاعات.
تتكوّن القلعة من ثلاث وحدات رئيسة تشمل القيادة والسيطرة، وسكن الجنود، والخدمات، ويخترقها ممر طويل يقسم المبنى إلى جناحين، وتضم فرنًا حجريًا ضخمًا بعرض مترين ومدخنة بطول 110 سم، إلى جانب مدفن محكم لحفظ القمح والحبوب، بُني بأسلوب شبه أسطواني ومعزول لمنع الرطوبة والسوس، كما خصص جزء منها لتحضير طبق الحنيذ، في إشارة إلى البعد الاجتماعي والثقافي للموقع.
وقد استخدم البناؤون المحليون مواد متوفرة في البيئة، كالأحجار الجرانيتية، وجذوع العرعر، والطين، والقصب، إضافة إلى الجص المستورد من إحدى مدن البحر الأحمر، والذي أُضيف إلى الواجهات الخارجية لمنع تسرب المياه وإضفاء طابع جمالي. أما تقنية التسقيف فاعتمدت على وضع جذوع العرعر بشكل متوازٍ، تُغطى بأعواد القصب وطبقة من الطين المخلوط بالقش، وتُدك بعناية لعزل المياه.
ومن المنتظر أن تفتح القلعة أبوابها للزوار بعد استكمال مراحل لاحقة من المشروع، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحضور التراثي في مدينة أبها، وتفعيل البعد الثقافي للمعالم الأثرية في منطقة عسير