
في لحظة فارقة من التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تكثف المملكة العربية السعودية حراكها الدبلوماسي عبر لقاءات رفيعة المستوى، كان أبرزها ما جمع سمو وزير الخارجية مع نظيره الإيطالي ومع الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. تأتي هذه اللقاءات في سياق إقليمي بالغ الحساسية، يتّسم بتداخل الأزمات وتنامي تأثيراتها العابرة للحدود، بما في ذلك التصعيد المستمر في غزة وجنوب لبنان، والتوتر الإيراني–الإسرائيلي، فضلًا عن المخاطر المتزايدة في البحر الأحمر وأمن الممرات الحيوية للطاقة.
تبحث المملكة من خلال هذا الحضور الفاعل ليس فقط عن التهدئة، بل عن إعادة تشكيل ميزان القوى الدبلوماسي في المنطقة بما يعكس مصالحها المتقدمة ورؤيتها المستقلة. اللقاء مع إيطاليا، الدولة المحورية في جنوب أوروبا، يعكس وعيًا استراتيجيًا بضرورة توسيع دائرة الشراكات المؤثرة خارج المحور التقليدي، كما يشير إلى انفتاح سعودي مدروس على أطراف أوروبية يُعوَّل عليها في صنع مواقف أكثر توازنًا تجاه قضايا الشرق الأوسط.
أما اللقاء مع ممثلة الاتحاد الأوروبي، فيحمل دلالات تتجاوز إطار التنسيق السياسي، ليُشير إلى مساعٍ واضحة نحو بلورة موقف جماعي يمكنه التأثير في المسارات الإقليمية والدولية، خصوصًا في ظل الانكشاف الأوروبي على الأزمات المتزامنة في الشرق والغرب. تؤكد هذه الخطوة أن السعودية لا تتموضع كطرف متأثر فحسب، بل كدولة مبادِرة، تعيد عبر أدواتها السياسية ترسيم خريطة التفاعل مع الأزمات، وتدفع نحو حلول تستند إلى الواقعية السياسية، لا الإملاءات الدولية.
يمثل هذا الحراك امتدادًا للدور السعودي الجديد القائم على التوازن، وتغليب أدوات التأثير السياسي على الاصطفاف الآني، وهو ما يجعل من المملكة شريكًا إقليميًا لا غنى عنه، ليس في ملفات المنطقة وحدها، بل في إعادة ضبط إيقاع السياسة الدولية تجاهها