
تتربّع قرية “علقان القديمة” على ربوةٍ بين سفوح الجبال في الشمال الغربي من منطقة تبوك، محتفظةً بأصالتها العمرانية وروحها البدوية، شاهدةً على مرحلة مفصلية في تاريخ توطين وتأسيس مؤسسات الدولة في تلك البقاع.
تأسست القرية بأمر من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- عام 1353هـ (1934م)، لتكون نواة لمركز “علقان”، واحتضنت في بداياتها مساكن لأوائل موظفي الدولة وبعض المرافق الحكومية. وتكوّنت مبانيها -التي يبلغ عددها 20 مسكنًا- من الطين والحجارة الحمراء الطبيعية، بأسقفٍ بُنيت من جذوع الأشجار وسعف النخل، ما منحها طابعًا عمرانيًا متناغمًا مع بيئتها الصحراوية والجبلية.
وبحسب هيئة التراث، تم تسجيل قرية “علقان” ضمن السجل الوطني للتراث العمراني في منطقة تبوك، في إطار جهود متواصلة لحصر ورقمنة المواقع التراثية بمختلف مناطق المملكة، وحفظها للأجيال القادمة.
تقع “علقان” على بُعد 170 كيلومترًا شمال غرب مدينة تبوك، وسط تضاريس خلابة تحيط بها الجبال الشاهقة والتكوينات الصخرية الفريدة، وتفترش أطرافها كثبان رملية حمراء، تُشكل لوحةً جمالية آسرة. ولأن القرية أُنشئت على ربوةٍ مرتفعة، فقد راعى بناؤها عوامل الطقس واتجاهات الرياح وجريان السيول، بما يعكس وعي أهل البادية بالبيئة والمكان.
أسفل القرية يقع “منفذ جمرك علقان” الذي أُنشئ عام 1965م، كما تنتشر حولها عدة آبار تاريخية كانت تُشكل مصدرًا أساسيًا للمياه، من أشهرها “بئر أبو العلق” الذي يُرجَّح أن اسم “علقان” مُشتق منه، بينما تذكر روايات أخرى أن التسمية جاءت بسبب العوالق التي كانت تشوب مياهه.
وتُعد علقان اليوم من أبرز الوجهات الشتوية في المملكة، حيث تشهد تساقطًا كثيفًا للثلوج في غالبية المواسم الباردة. ومن أبرز العواصف الثلجية التي سُجّلت في تاريخها، عاصفة عام 1945م التي استمرت لتسعة أيام متتالية، وأخرى عام 1965م في منتصف شهر رمضان، استمرت سبعة أيام، مما رسّخ مكانتها كوجهة فريدة لهواة السياحة الشتوية والمغامرات الجبلية.
تظل قرية “علقان القديمة” علامة بارزة في ذاكرة المكان، تجسّد عبقرية الإنسان السعودي في التكيّف مع بيئته، وبناء مجتمع متماسك يُجسد الأصالة في أبهى صورها، ويستدعي حضور التاريخ في كل زاوية من زواياها.