– جديد المقالات
-للكاتبة – مُنيرة وليد السماعيل.
تُوثِّق الكتابةُ -بشكلٍ عام- الحقوقَ وتحمي الأفرادَ من النكرانِ، والجحودِ، والاختلاف في الكمِّ والزمن. وتُجنِّبهم أخطار النسيان، أو فقدان الذاكرة، أو غياب الوعي، أو الموت، فهي تُثبِتُ المسألة وتَضبُطها خلافًا لِلَّفظِ والمشافهة.
وانطلاقًا من مميزاتها وأثرها؛ تُعتبر الكتابةَ أحد أهم طرق ووسائل الإثبات باعتبارها الوسيلة الأكثر قوة في الدلالة، إذ توصف بأنها من الأدلة ذات القوة المطلقة، والتي تعني أنها تصلح لإثباتِ جميع الوقائع القانونية سواءً كانت تصرفات قانونية كالعقد مثلًا، أو تصرفات مادية كالقيام بعملٍ ما أو الامتناع عنه.
تُعرَف الكتابةُ كوسيلةٍ من وسائل الإثبات القضائي (الإثبات القضائي، هو إقامة الدليل أمام القضاء يَدل أو يُبرهن على وجود أو صحة واقعة متنازع فيها بين الخصوم -أطراف الدعوى- بموجب الوسائل المحددة قانونًا ونظامًا، ويكون ذلك من أجل حماية المصالح الخاصة ومصالح المجتمع عبر حسم المنازعات القائمة وتمكين كل ذي حقٍّ من الوصولِ إلى حقه) بأنَّها ورقة أو صكّ، يُعتبرُ دليلًا وحُجَّة قائمة، سواءً كان ورقة رسمية أو عُرفيَّة مُوقَّعٌ عليها.
والمتأمل في نظام الإثبات السعودي يجد أنه لم يتعرَّض لتعريف الكتابة، وإنما استهلَّ -في الباب الثالث، الفصل الأول- بتعريف المحرر الذي يضم في معناه الكتابة، وهذا أمر مقبولٌ منطقيًّا؛ إذ أن الكتابة لا وجود لها أو أثر إلا عند تحريرها وخطِّها على دعامةٍ ما بغض النظر عن طبيعة تلك الدعامة سواءً كانت مادية (أوراق ملموسة) أم إلكترونية (رقمية).
كما أن الصكَّ، والحُجَّةَ، والمحضَرَ، والسِجلَّ، والوثيقةَ، وكل تلك الكلمات والأوصاف المُرادفة للكتابة يمكن اعتبارها من المحرراتِ المقصودة في النظام -في حال توفَّرت فيها الشروط- فهي تَثبُت فيها الحقوق، ويدوَّن علها معلومات، وبالتالي تدخل ضمن وسيلة الإثبات (الكتابة). ويجدر التنبيه إلى أن هذه المحررات ليست وسيلةَ دفاعٍ لمصلحة محررها فقط! بل قد تكون أداة ضدَّ محررها ولصالح خصمٍ آخر بمعنى أنها تكون حجة لصاحبها أو عليه في حال وقَّع على محتواها، إذ سيدل التوقيع حينها بأنه موافقٌ على المضمون، وعالِمُ بما فيه.
تنقسم المحررات المكتوبة بشكلٍ عام إلى نوعين أساسين، هما:
(1) ورقة رسمية (محرر رسمي): وهي الورقة التي يُثبِتُ فيها موظف عام أو شخص مُكلَّف بخدمة عامة، ما تمَّ على يديه، أو ما تَلقَّاه من ذوي الشأن، وفقًا للأوضاع النظامية، وفي حدود سلطته واختصاصه، مثل: القوانين، دفاتر المواليد والوفيات، الشهادات العلمية، جوازات السفر، الأحكام القضائية، وثائق الزواج والطلاق.
(2) ورقة عادية/عرفية (محرر عادي): وهي الورقة التي تحمِلُ توقيعَ من صدرت منه أو ختمه أو بصمته. أو هي الأوراق التي يكتبها فريقان من الناس أو يُوقَّعوا عليها توقيعًا عاديًّا أو ختمًا أو بصمةً بصفة شخصية، دون تسجيلها بدائرة رسمية عند موظف مختص، أو توثيقها لدى الجهات الحكومية.
وبافتراضِ أن غالبية القُرَّاء الكرام من الأفراد الذين يقومون بإبرام/ إنشاء أوراق عادية بمعدل أكثر من الأوراق الرسمية؛ فإننا سنوضِّح في هذه المقالة تفاصيل أكثر لهذه الأوراق أو المحررات العادية، ونُبيِّن كيفية إمكانية استعمالها كدليل إثبات لواقعة متعلقة بدعوى منظورة أمام القضاء على النحو الآتي:
الأصل أن المحرر العادي يُعدُ صادِرًا مِمَّن وقَّعه وحُجَّةً عليه، طالما لم يُنكِر صراحةً ما هو منسوبٌ إليه أصالةً عن نفسه، أو أن يُنكِر ذلك خلفه عنه، أو أن ينفي علمه بأن ذلك الخط، أو الإمضاء، أو الختم، أو البصمة هي لمن تلقَّى عنه الحق. وبالتالي حتى تتمكن من الاحتجاجِ بورقةٍ عادية، تتضمن مجموعة من الالتزامات والحقوق، والتي أنشأتها مع أحد الأطراف كأن يكون مصمِّمُ بطاقات إلكترونية مثلًا، أو طاهٍ يعمل في منزله لإعداد وجبة عشاء في مناسبةٍ ما؛ عليك التأكد من قيامه بالتوقيع على الورقة أو الاتفاق المكتوب بينكما، لتكون سارية المفعولِ وحجة عليه وله.
يجب التنويه إلى أن حجية الأوراق العادية تختلف بحسب نوعها، إذ تنقسم المحررات العادية إلى نوعين، هما:
1- أوراق عادية/ محررات عادية مُعدَّة للإثبات: وهي المحررات المُعدَّة من أطرافها مسبقًا لتكون دليل إثبات حول ما قد يطرأ بينهم من نزاع، ولها حجية تجاه الغير. مثل: العقود العرفية التي لا تُوثَّق.
وحتى تصلح هذه الورقة العادية المعدة للإثبات لأن تكون دليلًا للإثبات، وتصبح للبيانات الواردة فيها حُجيَّةً على أطرافها وتجاه الغير؛ يجب أن يتوفر فيها من الشروطِ ما يلي:
1- أن تتضمَّن كتابة دالة على الغاية التي وُجِدت من أجلها.
2- أن تحمِل توقيع من صدرت منه، أو ختمه أو بصمته، سواءً كان صادرًا منه شخصيًا أو من وكيله بشرط أن يُبيِّن بأنه وكيل. ولا يشترط أن يكون التوقيع في مكان معين في الورقة، لكن يُفضَّل أن يُدرج تحت الكلام مباشرة لتلافي إمكانية إضافة عبارات بين محتوى الورقة والتوقيع.
2- أوراق عادية/ محررات عادية غير مُعدَّة للإثبات: وهي المُحرَّرات التي لم يُقصد أثناء تحريرها أنها ستُستعمل كدليل إثبات، وغالبًا لا تكون مُوقَّعة من أصحابها. مثل: الرسائل، البرقيات، البريد الإلكتروني، الدفاتر التجارية، الأوراق والدفاتر المنزلية، تأشير الدائن ببراءة ذمة المدين سواءً كان على سند في يد الدائن أو على سند أو مخالصة في يد المدين.
– هذه الأوراق لا يُشترط فيها إلا أن تُنسَب لصاحبها، وتختلف حُجيَّتها باختلاف نوع الورقة العادية غير المعدة للإثبات..
فإن كانت الورقة عبارة عن مراسلات (سواءً تمت عبر رسائل ورقية أو رسائل البريد الإلكتروني أو أحد تطبيقات المحادثات)، فإنها في حال كان مُوقَّعٌ عليها أو ثابتٌ -بحسب نظام الإثبات- نَسبَها لِمُرسِلها؛ فتأخذ مثل حجية الورقة العادية المعدة للإثبات، إلا لو أثبت المرسل بأنه لم يقم بإرسال الرسالة أو لم يُكلِّف أحدًا بذلك.
وإن كانت عبارة عن تأشير الدائن على سند الدين بما يفيد ببراءة ذمة المدين سواءً بخطه أو دون خطه ودون توقيعه، فإنها ستكون حُجَّة على الدائن لحين إثبات العكس، سواءً لم يخرج السند من حيازة الدائن مطلقًا أو كان الدائن قد أثبَت بخطه دون توقيعه ما يفيد ببراءة ذمة المدين في نسخة أصلية أخرى للسند أو المخالصة وكانت هذه النسخة في يد المدين.
وفي حال كانت الورقة عبارة عن دفاتر التجار الإلزامية المنتظمة فستكون حجة لصاحبها التاجر ضد خصمه التاجر فقط (أما إن كان خصمه مدني بمعنى غير تاجر فإن التاجر صاحب الدفتر لن يستطيع الاحتجاج بدفتره في مواجهة المدني)، وتسقط هذه الحجة عند إثبات عكس ما ورد فيها بكافة طرق الإثبات. كما يمكن أن يكون ذلك الدفتر حجة على صاحبه التاجر فيما استند إليه خصمه التاجر أو غير التاجر (إذ يمكن للخصم المدني الاحتجاج بمحتوى دفتر التاجر على التاجر صاحب الدفتر).
أما إن كانت الورقة عبارة عن دفتر خاص أو أوراق خاصة فإنها لن تكون حجة على صاحبها إلا في حالتين -جاءتا كاستثناء من الأصل وهو عدم حجية الدفاتر الخاصة على أصحابها-:
1- إذا أورَد -صاحب الدفتر الخاص أو الورقة الخاصة- فيها صراحةً أنه استوفى دينه.
2- إذا أورَد -صاحب الدفتر الخاص أو الورقة الخاصة- صراحةً أنَّه قَصَد أن يقوم ما دوَّنَه مقامَ السند المُثبِت حقًّا لمصلحته.
وفي كل الأحوال؛ إذا لم يُوقِّع من صدر عنه ذلك على ما وُرِد من ذلك، فإنه يجوز له إثبات العكس بكافة طرق الإثبات.
ختامًا: بالرغم من قوة الكتابة في الإثبات، تبقى مسألة كسب واقعة متعلقة بدعوى قائمة أمام المحكمة بناءً على الاستناد على دليل كتابي (ورقة رسمية أو عادية مُوقَّعة) ليست مسألةً محسومة دائمًا وبشكلٍ مُطلَق! إذ إضافةً على وجوبِ توفر شروط الدليل الكتابي، فإنه يجب التنبُّه إلى أهمية عدم مخالفة الورقة لأحكام الشريعة الإسلامية أو وجود أي مظهر أو عيب من شأنه خلق شكٍّ لدى المحكمة بأنها مزورة أو غير صحيحة، إذ أن هذه الأسباب تُجيز للمحكمة -من تلقاء نفسها- استبعاد أي ورقة وتقضي بعدم الأخذ بها كدليل إثبات.