أيمن الخميسي
من سلبيات التعليم التقليدي تربية الطلبة على التلقين والحفظ، والخضوع التام في الفكر، والتبعية المطلقة، إلى حد الضعة التي لا يتجرأ بأن يتكلم الطالب في حضرة شيخه فضلاً عن أن يناقشه أو يخالف اجتهاده!
إن المبالغة في تربية الناشئة بهذه الطريقة ستخرج جيلاً مقيداً فكرياً، لا يطمحُ في التفكير والتحليل الموضوعي، ولا في النقد الصحيح، فضلاً عن الاستقلال العلمي عن شيخه ومدرسته!
ولا يعني هذا أن الطالب يسئ الأدب مع مشائخه وأساتذته وكأنه من أقرانهم، بل لابد عليه من إجلالهم واحترامهم، وأن يتعامل معهم بكل أدب يليق بطالب العلم الذي يريد أن يتعلم، ولكن لا يُبالغ في هذا الأدب الذي يصل به الحال إلى الجمود الفكري، والذي لا يجرؤ بأن يفارقه قيد أنملة، ولا يخرج عن حيز قد رسم له، والذي ينتج عنه شللٌ فكري!
إذا ملك الطالب آلة الاجتهاد تحتم على معلمه وأستاذه أن يعلمه كيفية الاستقلال، والإعتداد بالذات، والتحليق في سماء الفكر، والغوص في بحار الإبداع!
ومن أجمل النماذج التطبيقية لتنمية القدرات العلمية والاستقلال عند الطلبة لدى السلف، الإمام مالك بن أنس - رحمه الله- لم يعنف الإمام الشافعي قط على مخالفته له، ولا عن استقلاله عن مدرسته، وكذلك الإمام الشافعي - رحمه الله- لم يعتب على الإمام أحمد في استقلاله عنه، وهو من أبرز طلابه بل خرج من بغداد وهو مشجعٌ له قائلاً فيه :"تركت بغداد وما فيها أفقه ولا أعلم من أحمد بن حنبل".
هكذا ربّى السلف طلابهم فأخرجوا للأمة نتاجاً علمياً رصيناً، نفع الله بهم وبعقولهم الإسلام على مر العصور، وليس على الجمود والتبعية المطلقة!.