عجوز رسم الزمان على تقاطيع وجهها معالم الحرمان ،ونحت على خديها أخاديد البؤس،تسكن شاهقا يزيد ارتفاعه عن ألفي قدم عن سطح
البحر،منزلها على رأس شعف يناجي الرياح والسحاب والطير،الابن هناك يلبي النداء على شريط الحد الجنوبي،والأقارب رحلوا منذ زمن،أقرب سامع لندائها لو دعت في منحدر لن يصل صوتها إليه ولو بعد حين.
وحتما لا تجيد إلا الرد على جوال عتيق وفره الابن المشغول بحماية ثغر الوطن كغيره من أبطال جيشنا وأمننا البواسل- يحفظهم الله ويسدد رميهم- شريك حياتها كل يوم يتفقد مدرجاته الزراعية ويرعى قطيع أغنامه،ولكنه عشية الفقد لم يعد،دنا المغرب لم يؤذن،لا صوت لا أثر ،يدب في أوصال عجوزنا الذعر وتدافعه برباطة جأش السنين والحنين،وتعتمد على بصيص نور عينبها الباقي ،وتسري تنادي:يا فرحان ،يا (أبو سالم) فلا يرد عليها إلا أصوات البوم والحشرات،يسوق الله إليها أحد العابرين ،يساعدها فيجدان رفيق العمر مسجى في أحد المنعرجات تنزف جراحه مفارقا الحياة،يجتمع الناس يوارونه التراب.
وتبقى عجوزنا وحيدة ولا بد من إكمال إجراءات الوفاة تذهب يوميا وتدور بين محكمة ومستشفى،ويتطلب الأمر مراجعة الأحوال المدنية
فتذهب إلى ما رأته ذات رحلة مع شريك حياتها منذ(((( سنتين))))
مبنى سألته:ما رأيك لو نرحل ونستأجر هذا المبنى؟
رد عليها ضاحكا: هذا أبشرك مبنى الأحوال المدنية بالمحافظة.
حفظت الوصف فحضرت لاستكمال الإجراءات،فلم تجد غير كلب وقردين وشيء من حمير قليل،لطمت خدها:لم يداوم أحد للآن(قريب من أذان الظهر)!!
يعبر بجوارها عامل هندي ، فتسأله: متى سيأتي الموظفون؟
يضحك العامل:هنا ما فيه نفر،كلام ما فيه حصل ابن بلد معلوم سغل بعدين هو ما فيه مسكلة فلوس يدفع دولة ما فيه معلوم والله هذا مدير
حرامي كبير ويواصل الضحك ويمضي!!
عجوزنا لم تفهم منه شيئا،لكنها قالت وبصوت مسموع:ابن سعود بعد الله موجود،ورفعت كفيها مستقبلة القبلة داعية:اللهم من فعل هذا ولم يعرني وأمثالي اهتماما وغش الحكومة والشعب فخذه أخذ عزيز مقتدر وامحق كسبه وافضح أمره،ونكد عليه في عيشه كما نكد علينا.....
يامن يهمه الأمر لمثل هذه المعاناة نطالب منذ عشرات السنين بفرع للأحوال المدنية بمحافظة الدائر والتي تظم عشرات الآلاف من المواطنين والمقيمين.
لا تذهبوا بعيدا وتحسبوا الأمر ردة فعل لما تم في جارة السعد العيدابي،والله ليس كذلك وللعيدابي الحب كإحدى درر البلاد،ولكنه الشغل والنفاذ،وحال المواطن المعدم والعاجز عن الحركة والانتقال.....