تعتبر المملكة من أكثر وأكبر الدول استقداماً للعمالة الوافدة بمختلف جنسياتها ، وهذه نعمة كبيرة على هذا البلد ، وأيضاً هي نعمة للوافدين أنفسهم ، فقد استفاد الكثير من خلال فرصة عمله في هذا البلد ، وكم من مقيم تحسنت ظروفه المعيشية ، وتغير حال أسرته للأحسن والأفضل.
وجد الوافد الملاذ الآمن بعد الله في هذا البلد الكريم ، فكم من هو بيننا ومعنا مفارق أسرته وأطفاله ووالديه ، تحمل الغربة والتعب من أجل توفير حياة كريمة له ولأسرته .
هذا المقيم أو الوافد يتمنى لو يتحسن الحال ويهنأ بالحياة مع أهله وأطفاله ، دون الحاجة للغربة ومرارتها .
فلنرفق بهم ، ولنرحمهم قليلاً ، ولنقدر ظروفهم وغربتهم ، ولنرحم ضعفهم ، بالابتعاد عن احتقارهم والنظر لهم بنظرة فوقية قبيحة ، فهم لم يختارو فقر بلادهم ، ولا نحن كان لنا فضل في يسر حالنا ،
هو فضل الله يؤتيه من يشاء .
لذلك وجب علينا حمد الله تعالى ، الذي عافانا مما ابتلاهم به من فقر وضعف وغربة ، وشكره تعالى أن فضلنا على كثير من عباده .
رغد العيش والأمن والأمان والاستقرار ؛ كلها نعم تستوجب الشكر ، فبالشكر تدوم النعم .
أي عمل تريد فعله في منزلك أو سيارتك أو مزرعتك ، ماعليك إلا أن تشير بإصبعك ، لتجده تم وانقضى ، سواءً كان عسيراً أو يسيراً .
يجب علينا المحافظة على هذه النعمة ، وهذا الخير الذي بين أيدينا ، وأن نعلم يقيناً أنه لم يأتنا لأننا الأفضل والأقوى ، بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء ، ويمنع منه من يشاء ، ومن أعطانا هذه النعم قادر أن يسلبها منا في طرفة عين .
فلنرفق بهم ، ولنقدر لهم صنيعهم ومشاركتهم لنا في تنمية بلدنا ، وألا نزيد على همهم هم ، ولا على شقائهم شقاء .
فهم إخوتنا في الدين والمعتقد ، وهم بشر قبل أن يكونوا مسلمين ، ولم يكن بإختيارهم -ربما- أو بمحض إرادتهم أن يفارقوا أسرهم لفترة طويلة ، قد تكون أشهراً وربما لسنوات ، ولم يتواجدوا هنا للسياحة أو للتنزة ،بل هناك ما أجبرهم على ترك بلدانهم وأسرهم ، إنها الحاجة والفاقة .
فلا نسخر أو نحتقر عامل بسيط ، أو أجير ضعيف او خادم فقير ، بل نراعي الله فيهم وقد أمرنا الله ورسوله بالرفق واللين معهم ، فهذا العامل البسيط الذي أمامك والذي ربما احتقره الكثير من الناس ، ربما كان مهاب الجانب بين أهله وجماعته ومن يعرفه هناك في بلده ، وقد يكون له شأن ، ويرجع إليه في كثير من الأمور لمقداره وعلو كعبه بينهم ، وما احتقار البعض له إلا لأنه عامل فقير بسيط !
لذا وجب حمد الله تعالى وشكر نعمه علينا ، وعدم احتقار وتقليل شأن أولئك العمال ، حتى وإن أخطأ أو ارتكب جريمة ، أو كان محتالاً ، فهم في النهاية بشر أمثالنا ، فيهم الحسن وفيهم السيء ، والمستقيم والمعوج ، ولا وجه للغرابة والتعحب هنا إلا لجاهل أو مكابر .
وعندما يرتكب أحدهم جرماً أيا كان هذا الجرم كبيرا او صغيراً ، نجد من يعمم الجرم على كل أبناء جلدته -جنسيته - وأنهم لا خير فيهم جميعا ، ناكرون للمعروف.. ظلم ظاهر ، وبهتان قاهر ، وكلام لا يليق أن يتلفظ به مسلم سمع قوله تعالى:
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) .
لا يؤخذ المرء بجريرة غيره ، ولا يحاسب بذنب ليس ذنبه ، وفعل لا يد له فيه .
هذا كلام العدل جل شأنه ، ونهج نبينا وبيانه ، ومن اقتفى بعد الرسول ، وآله وصحابته العدول ، وكلهم كرهو الظلم من الفروع والأصول .
وختاما :
أسأل الباري سبحانه ، أن يحفظ لبلادنا رغدها وأمنها وأمانها ، وأن يعلي شأنها ، ويرزق أهلها من الخيرات ، ومن لجأ لها من الفقر والعثرات ، إنه سميع مجيب الدعوات .