الحمد لله الكبير المتعال، تفرد بالجلال والجمال، وأتصف بالعظمة والكمال، له الحمد عدد نعمه وآلائه، وله الشكر يملأ ما بين أرضه وسمائه، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، من أرسله ربه رحمة للعالمين، ودليلا للحائرين، وقدوة للمتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .
وبعد :
فإن سن الشباب هو سن القوة، والنضارة والحيوية والنشاط، وإن الأمم ترسم أهدافها وتسعي لتحقيقها تعلم أن أهم تلك الوسائل التي تحقق من خلالها تلك الأهداف هي سواعد الشباب وطاقتهم المتجددة، وتقدم الأمم يقاس بتقدم شبابها، والواقع الذي يعيشه شباب كل أمة تنعكس تجلياته على أممهم ومجتمعاتهم إيجاباً أو سلباً ومن هنا تظهر الأهمية المتناهية للشباب في كل الحضارات والثقافات، لا سيما أمتنا وحضارتنا الإسلامية التي قامت في فجرها الأول على أيدي أصحاب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذين كان جلهم من الشباب فهذا أبو بكر الصديق يسلم وعمره سبعة وثلاثون عاما، وعمر بن الخطاب يسلم وعمره سبعة وعشرون عاما وعثمان بن عفان ثمانية وعشرون عاما، ناهيك عن علي بن أبي طالب الذي ضحى في سبيل دينه وأمته وهو ابن عشر سنوات.
والمتأمل في حياة بقية الصحابة يجد أن أكثرهم أسلم وهو في مقتبل شبابه فكان شبابهم كله جهاداً في سبيل الله، وتضحيةً لدين الله وبناء لأمتهم تلك الأمة العظيمة التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً ولن يعرف، تلك الأمة التي بنيت على سواعد ذلك الرعيل الأول من شباب الصحابة وأتباعهم ومن سار على نهجهم.
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشي كالأعرج
وفي هذا الزمان ينبغي لإخوتي الشباب أن يعلموا كل العلم إنهم هم الوقود الحقيقي لأمتهم، وأن أمتهم لن تعود إلى مكانتها التي فقدتها في عصورها المتأخرة إلا إذا رجع شبابها إلى نهج أسلافهم الأوائل الذين مضوا قبلهم، قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: ( ولن يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها ).
وللأهمية المتناهية لمرحلة الشباب فإن العبد سيسأل عنه يوم القيامة سؤالاً خاصاً بالإضافة إلى سؤاله عن عمره إجمالاً، فقد روى الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ وماله من أين أكتسبه؟ وفيما أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ )) رواه الترمذي في سننه.
فالعبد يسأل عن ابتداء عمره، ثم يسأل سؤالا خاصاً عن شبابه، ومن المعلوم أن الشباب داخل من ضمن العمر، ولكنه يخصص بسؤال خاص، لأنه مظنة القوة والفتوة والنشاط.
وإنني في هذا المقال المتواضع أريد أن اتطرق لبعض الصفات والقيم والأخلاق التي يحتاجها كل شاب صادق يريد أن يبني نفسه وأمته، وسوف أتطرق إلى سبع قيم مهمة وضرورية ورأيت أنها الأهم والأساس من بين القيم الأخرى، تحت عنوان :- الشاب الذي تحتاجه أمته.
وهذه القيم السبع هي كالأتي:
-إخلاص العقيدة
-الصدق
-الأمانة
-الصبر
-الإيثار
-التواضع
-التعاون
ولا يعني الإقتصار على هذه القيم عدم أهمية باقي القيم الآخرى، ولكن أردت الإختصار على الأهم ولأن الكثير من القيم الآخرى ربما اندرج تحت هذه القيم الأساسية.
إن الشاب المتميز بين أقرانه والفاعل المؤثر في أمته، إنما هو عبارة عن مجموعة قيم وأخلاق وصفات مغروسة في روحه ومتمثلة في كيانه، وما أصدق قول الشاعر حينما قال :
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه
فقوم النفس بالأخلاق تستقم
إذن فإن الشاب الذي تحتاجه أمتنا هو ذلك الشاب الذي يتمتع بتلك المميزات من قيم وأخلاق وما أحوج أمتنا اليوم إلى هذا الشاب، لا سيما أن السواد الأعظم من شباب أمتنا أصبحوا عبئاً ثقيلاً على أمتهم، ضرهم أكبر من نفعهم، يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم (( إنما الناس كالإبل المئة لا تكاد تجد فيها راحلة )).
والناظر إلى فئة سن الشباب في العالم يلاحظ أن الكثافة العظمى للشباب بالنسبة إلى مجتمعاتهم هم شباب العالم الإسلامي،لا سيما العالم العربي، ومع هذه الكثافة إلا أن جهودهم لدينهم وأمتهم ومجتمعاتهم لا تكاد تذكر إلا على نطاق ضيق، وما هذا إلا دليل على قلة البركة وإنحطاط الهمم، وضيق التفكير، وضآلة الإنتاج، وإنصراف الكثير منهم إلى سفاسف الأمور كالتعصب الرياضي، والتسكع في الأسواق والطرقات، والتقليد الأعمى لكل ما هو غربي دخيل، والأهتمام بالمظهر دون المخبر، والسعي وراء ملذات الحياة ونسيان الآخرة.
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ولا يعني هذا أن يعمم هذا الحكم على جميع الشباب فإن الواقع يشهد أن هناك بعض من شبابنا المباركين وإن كانوا نزرا يسيرا إلا أنهم مشاعل نور، وسواعد بناء، بمثلهم تفتخر الأمة، وعلى هاماتهم يرتفع بنيانها، وبأيديهم ينقاد زمامها إلى كل رفعة تمكين.
فالناس ألف منهم كواحد
وواحد كالألف إن أمر عنى
هذه بعض الإضاءات المقتبسة من وحي القرآن ونهج النبوة وسير الصالحين، تغذون بها أرواحكم، وتقومون بها نفوسكم، وتضيئون بها دروبكم، وتبنون من خلالها أمتكم، (( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون )) مستعيناً في تحقيقها على الله تعالى فهو نعم المولى ونعم النصير.
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد ..