أسامة معيني
في عالم تسوده الأوضاع المضطربة والأحوال الملتهبة والأحداث المؤسفة تظهر لنا آفة هدامة وجرم عظيم إلا وهي "المخدرات" .
(( خَدِرَتِ الرِّجْلُ تَخْدَرُ؛ والخَدَرُ من الشراب والدواء: فُتُورٌ يعتري الشاربَ وضَعْفٌ. ابن الأَعرابي: الخُدْرَةُ ثقل الرِّجل وامتناعها من المشي. خَدِرَ خَدَراً، فهو خَدِرٌ، وأَخْدَرَهُ ذلك.))
إن هذا الأصل اللغوي صافرة إنذار لسانية عن أضرار المخدرات التي لا يمكن أن ينبئ موات حروفها بحياة خيرة أو خير حي .
بلى ، قد نشأت المخدرات طبية ولا زالت إلى الآن تُخدّر الأعصاب الأليمة في المستشفيات ولكن هنالك بون شاسع بين من يميت جزءًا بالتخدير ليُحيِيَ -بإذن الله - كُلًّا ومن يُحْيِي بالتعاطي جزءًا ليُمِيت كُلًّا .
ولكن ، ماهي أخطار المخدرات وأضرارها الصحية ؟!
لقد ثبت علمياً بما لا يدع مجالاً للشك أن تعاطي المخدرات أيًّا كان نوعها يؤثر تأثيراً مباشراً على أجهزة البدن ، من حيث القوة والحيوية والنشاط ومن حيث المستوى الوظيفي لأعضاء الجسم وحواسه المختلفة .
1- أثر تعاطي المخدرات على العقل:
فقد أكد العلماء من خلال دراساتهم أن متعاطي المخدرات تصيبه أضرار جسيمة في قواه العقلية وقدراته الفكرية وطاقاته المدرِكة ، حيث يصل الأمر به ساعة سكره إلى الحال التي يصبح فيها عاجزاً عن أن يتبَيَّن حقاً ، وهذا أمر لا ننتظر سواه من إنسان غائب العقل ، مذبذب الوجدان مهتز الشعور، مضطرب الإدراك معطل التفكير .
2- أثر تعاطي المخدرات على المخ والأعصاب :
يعتبر المخ هو أهم عضو في تكوين الإنسان وهو الجوهرة الغالية والكنز الثمين الذي وهبه الله للإنسان، والمخ يتكون من بلايين الخلايا العصبية التي تعمل ليل نهار بطريقة متجانسة بواسطة إشارات كهروكيميائية ، وكل مجموعة من خلايا المخ متخصصة في أداء وظيفة معينة، فمجموعة نجدها مسؤولة عن الكلام وأخرى مسؤولة عن الإبصار، وهكذا بقية الحواس والقدرات ، والمركَّبَات المخدِّرة تؤثر تأثيرا مباشرا على أماكن معينة في الجهاز العصبي تسمى المستقبلات التي تتواجد على جدران الخلية العصبية ، ثم تتدخل تلك المركبات تدريجياً في عمل وظائف المخ، فيصبح المخ معتمداً عليها اعتماداً كلياً، حتى يدخل الفرد مرحلة الإدمان وهنا تختل وظيفة المخ ككل وتختل جميع الأجهزة التي يتحكم فيها المخ مثل الجهاز الهضمي والتنفسي والعضلي والدورة الدموية .
3- أثر تعاطي المخدرات على الدم :
تعاطي المخدرات يمزج السم الزعاف بهذا السائل الحيوي الهام فيعيق من دورانه، وقد يوقفه فيموت الشخص في الحال، والمواد المخدرة تسبب نقصاً في كمية هذا السائل وتكسِّر كراته الحمراء والبيضاء ، كما تسبب فقراً به نتيجة لسوء التغذية ، المترتب على سوء الهضم والامتصاص الذي يسببه الإدمان ، كما تؤثر المخدرات على الشرايين، فتفقد مرونتها وتتمدد وتغلظ حتى تنسد أحياناً بتكوُّن الجلطات، أو تضيق وتُصاب بالتصلب وكلها تؤدي إلى أمراض القلب ، التي تؤدي إلى الوفاة فجأة ، أو إلى حدوث جلطات في الأوعية الدموية للمخ ، وهذا ينتج عنه الشلل والوفاة وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المخدرات تساعد في الإصابة بمرض الإيدز، من خلال استعمال الحقن الملوثة بالدماء .
4- أثر تعاطي المخدرات على الكبد :
تعاطي المخدرات عن طريق الحقن وغيرها من الأمور التي تسمم الدم بدرجة أكبر وبالتالي يزداد العبء لدرجة أن يصبح معها الكبد تالفاً ومتليِّفًاوغير قادر على أداء وظائفه بنجاح .
5- أثر تعاطي المخدرات على الأنف والأذن والحنجرة :
إن استخدام الأنف كطريق لتعاطي المخدرات عن طريق الشم قد يكون أسوأ بكثير من الحقن الوريدية ؛ ذلك أن الغشاء المخاطي للأنف يحتوي على شبكة متشعبة جداً من الشعيرات الدموية، مما يسهل الامتصاص عن طريقها ثم نقل هذه المادة لباقي أجزاء الجسم عن طريق هذه الشعيرات ، ولذلك يلجأ المدمن إلى أخذ شمة واحدة في اليوم تجنبه مشقة أخذ الحقن مرات ، خاصة لما يتوهم من توفر السرية في الشم ، تعاطي المخدرات عن طريق الشم يؤدي إلى تآكل وضمور الغشاء المخاطي للأنف ومع استمرار التعاطي يحدث ثقب في الحاجز الأنفي وتشوهات بالأنف مما يؤدي إلى تكوين قشور سميكة بالأنف عند محاولة التخلص منها ينتج نزيف متكرر، كما يؤدي ضمور الأغشية المخاطية إلى فقد كامل لحاسة الشم، وما يتبعها من عدم التذوق، وبسبب التعاطي أيضاً يتم احتقان أغشية "دهليز" الأنف في الحاجز الأنفي، مما يسبب صعوبة واستحالة التنفس عن طريق الأنف ونتيجة لفقد مهام الأنف كصمام أمان للوقاية من حرارة الجو والرطوبة والأتربة والجراثيم، ويشعر المدمن بجفاف في الحلق والتهابات متكررة في الحنجرة والذبحة في الصوت، وطنين في الأذن .
6- أثر تعاطي المخدرات على الحالة النفسية :
بين الإدمان والمرض النفسي علاقة وثيقة ، قد ينشأ كل منهما من نفس الأسباب التي تدفع شخصاً بذاته إلى نوعية المرض النفسي قد تدفع شخصاً آخر إلى الإدمان .
- الإدمان قد يكون محاولة من الفرد للتغلب على الصعوبات التي تواجهه وذلك بالهروب منها .
- الإدمان قد يكون محاولة دفاعية من المدمن ضد المرض النفسي المهدد وكأنه بديل عن المرض النفسي .
- الإدمان عادة ما تصاحبه اضطرابات نفسية مختلفة نتيجة للتسمم بالعقار .
- الإدمان عادة ما ينتهي باضطرابات نفسية مختلفة .
كما يؤكد المتخصصون من علماء النفس والأطباء النفسانيين أن ظاهرة الإدمان في حد ذاتها هي مرض نفسي ، وبسببها يتحول الإنسان إلى خرقة من اللحم النتن، بلا غاية ولا كرامة ولا كيان، وقد توصلت دراسات عديدة إلى أن تعاطي المخدرات ينتهي غالباً إلى الإدمان الذي يحدث أسوأ الأثر في المستوى الخلقي والنفسي لضحاياه فيتميز أغلبهم بالأثرة وانهيار العاطفة وعدم الإحساس بالمسئولية الاجتماعية والعائلية وضعف الإرادة والجبن وكراهية العمل وزيادة الاضطرابات النفسية والسلوكية ، وللمخدرات تأثير ضار على الناحية النفسية، سواء في المراحل الأولى من تعاطيها أو في المرحلة المتأخرة منها وهي الإدمان ، فعندما يبدأ الشخص في تعاطي المخدرات يختلط عنده التفكير ولا يحسن التمييز ويكون سريع الانفعال ، ثم تتبلد عواطفه وحواسه بعد ذلك ، وبتكرار التعاطي يصبح الشخص كسولاً قليل النشاط مضيعًا لوقته في أحلام اليقظة ولا يمكنه أن يخفي هذه الظواهر عن المجتمع فليلجأ إلى الخداع والغش والكذب والتزوير وحيل نفسية متعددة وخرق القانون
كما أن كثيراً من الشباب الذين يتعاطون المخدرات يسقطون صرعى الأمراض العقلية والنفسية، فتظهر عليهم الهلاوس السمعية والبصرية والحسية كأن يحس الشباب إحساساً خاطئاً بآلام في الجسم أو ضمور في أطرافه أو كأن هناك حشرات تمشي على جلده، وقد يظهر المرض العقلي على صورة شك عنيف في أفراد أسرته والمحيطين به وكل من يتعامل معهم، وعندئذ تكثر عنده الأفكار الخاطئة ضد الغير، وفي الصورة النهائية تتدهور شخصية المدمن تماماً .
وبعد هذا الضرر والضرار ألا يتبين أن حبة مخدرة تصنع قبّة من الألم قد تنهار على صاحبها في أي لحظة ؟!
هل يرضى إنسان بالغ عاقل أن يرتد بها مجنونًا لم يرفع عنه القلم ، منتحرًا لم يوضع في الكفن ؟!
إن نشاط الحياة ضد فتور المخدرات فأختر لنفسك إما أن تكون حيا أو متعاطيا .
سفير نبراس أسامة معيني