فقدت منطقة الجوف أحد أهم شعراءها المعاصرين الذين برزوا في وقت لم يكن للإعلام توسعا مثل ما نشاهده الآن .. فقد أكسبته قصائده الشهرة بين أوساط المجتمع الجوفي والتي من خلالها أسس له مكانة في قلوب جمهور الشعر فيها ..
عبدالله بن خميس النواق الذي انتقل إلى جوار ربه تاركا لنا قصائد كانت ولا زالت تثير شجوننا ، قد وثقّت لحقبه زمنيه عاشها الشاعر في مجتمعة ، حيث أن قصائده تحمل الطابع البدوي والمفردة الشعبية .
ولُد الشاعر في الجوف سنة ١٣٦٣هـ و عاش حياته بدوياً يتنقل مع إبله ، و بما أن الإبل تمتلك جزءا كبيرا من حياته مناصفة مع الشعر الذي عشقه منذ نعومة أظفاره ، فقد كان لذلك الأثر الأكبر في مفردته الشعرية ، حيث إنه بدأ كتابة الشعر في سن مبكرة ، وقد لاقت قصائده الانتشار الجيّد في ذلك الوقت و قد تفاعل الأمير : عبدالرحمن السديري رحمه الله (أمير الجوف آنذاك) مع إحدى قصائده المعروفه بـ (جرح السانية).
كما إن للشاعر الراحل عبدالله النواق عدة قصائد وطنية في غاية الروعة ، التي لا تنقص أهميتها عن قصائد شعراء جيله فقد أنشد أبيات في مؤسس هذا الكيان الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله ..حيث قال :
يا خادم البيتين يا حامي الدار
يا مرهي ٍ خيره على الشعب كله
صرنا انتباهى بك على كل الأقطار
يا حاكم ٍ شعبه على خير مله
من مثلكم خيره كما غيث الأمطار
نزل على من هو شكى كل قله
ولأجل ما للغزل من وقع خاص في نفسه رحمه الله ، فقد تفنن وأبدع فيه ؛ فهو هنا يقف على أطلال عاش فيه دهرا طويلا في زمانه الأول فيقول :
قف يا قدم رجلي بالأطلال ساعة
حيث الهوى راحت طراته وجا أبكاه
يا شين بُعدٍ ما يحين اجتماعه
و منزال حيٍ قامت الريح تذراه
يلعب غراب البين من فوق قاعة
قفر ٍ عذا فيها أم سالم صفى إغناه
كما أن له في الغزل هذا البيت الجميل :
على وليفٍ نتّف القلب تنتيف
تنتيف ذربات المخالب عشاها
لديه قدره في توظيف المفرده الشعبية كيفما أراد ، ليبهر المستمع و القارئ لها ، ليجد أنها تنساب في نفسه كما ينساب الهواء العليل في النفس البشرية .
رحل الشاعر عبدالله بن خميس بهدوء و دون أن يحدث ضجه ، تاركاً لنا تجربته الشعرية ، في ديوان شعر شرفني بالموافقة على جمعة و إعداده قبل سنوات و كان بعنوان (الأطلال) ، غادر هذه الدنيا جسداً و لكنه بقى فيها بكرمه ، وطيب أخلاقه ، وقصائده ، وذكراه التي كلما مرّت بنا ترحمنا الله عليه ، وتألمنا على ذلك الفراق المر .
اصيب قبل شهور بوعكة صحية طالبت بعدها بتكريمه ، وها هو يرحل دون أي تكريم ، أو كلمة شكرا لجهوده وعطاءه ، لذلك فقد فقدت المنطقة أحد أهم شعراءها الذين لفّهم النسيان بلا تكريم ، رحم الله الشاعر عبد الله بن خميس النواق و أسكنه فسيح جناته .
ختاماً قال شاعرنا أبا ماجد :
لله ما يترك ولله ما أختار
والدار قالت لا عليّه ولا لي
يا باكياً مرّه بكى قبلك أمرار
من خلقت الدنيا و هذي الليالي
الله منزلني على درب مرار
من حل يرحل والبقى مستحالي