أسامة معيني
لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، هذه القاعدة المحمدية في مساواة الدماء والألوان، وإن لم نعترف بأسنان المشط سيأكل بعضنا بعضا بأنياب العصبية القبلية.
لذلك نهى الدين الإسلامي عن التفاخر بين الناس الذي يؤدي بهم إلى العصبية القبلية التي تؤدي إلى الشقاق والخلاف بين الناس، والتفريق بين المجتمع الواحد، بل وتؤدي بهم إلى قطع أواصر الصلة والمحبة بينهم .
وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤكد على التواصل والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم، ويحقق الوئام بين عموم المسلمين، من خلال رابطة العقيدة الإسلامية، التي هي أسمى رابط بين المجتمع المسلم .
وفي ظل هذا الهدف الأسمى للدين الإسلامي، وتأكيداً على رابطة العقيدة، ونبذ العصبية والقبلية التي كانت سائدة قبل الإسلام، وما شهدته السنوات الأخيرة من عودة بعض من صفات الجاهلية من التفاخر بالقبيلة، وظهور العصبية .
كيف نرسخ المفاهيم الإسلامية بين أفراد المجتمع المسلم، ونعيد التأكيد على ترسيخ مفهوم المجتمع المسلم الواحد الذي يمتاز فيما بينه بميزة تقوى الله.. كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ .
- التعصب والنسب:
لقد اهتم العرب منذ العصر الجاهلي بحفظ أنسابهم والتفاخر بها في الشعر والذي كان يحتوي على مآثر القبائل وأحسابها وبطولات رجالاتها وكرمهم، وكان النسابون ورواة الشعر يتمتعون بمكانة وسط القبيلة، وقد أثارت هذه التوجهات الثقافية العصبية القبلية ونجم عنها حروب بين القبائل .
ولما ظهر الإسلام حرم العصبية القبلية ففي الحديث الشريف : «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية» وأحل الرابطة الدينية، وجعلها فوق كل صفة فصار معيار الناس ووزن الأفراد يخضع لقول الله تعالى ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ ولكن الإسلام لم يحرم العناية بالنسب لأنه وسيلة للتعارف، وهو الهدف من جعل البشر شعوباً وقبائل كما في الآية ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾كما أن معرفة النسب تمكن من صلة الأرحام التي أكد عليها الإسلام، كما تمكن من تطبيق أحكام الشريعة الغراء في الزواج والميراث والمعاقل .
ومن ثم لابد من التفريق بين علم الأنساب الذي يربط المجتمع ويحقق التكافل بين أبنائه وبين العصبية التي تفرق أبناء المجتمع الواحد وتمزق أواصره .
أما الفخر بالأنساب والقبائل فهو مرض عضال والعجب كل العجب من يفخر ويتباهى ب( خولان ) و ( قحطان) حتى وصل بهم الحد لنشر ما يسمى بالشيلات فخراً بالنسب والأصل ولعمري لم يفخر النبي بنسبه وقبيلته مع أنها أعظم قبائل العرب حينها بل أكتفى بأنه عربي مسلم .
وقد جاء ذكر الفخر في القرآن العزيز في خمسة مواضع، كلها جاءت في مقام الذم، إلا أنها تكون مقرونة بصفة مقاربة من الصفات غير المحمودة، كالفرح، والاختيال، كقوله تعالى: (ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور) والفرح في القرآن إذا جاء مطلقاً فهو مذموم كقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ .
وهكذا يبدو لنا أن الفخر خصلة ذميمة لأنه مباهاة وتعاظم في غير محله.
وإذا قدر أن محل الافتخار موجود لدى المفتخر، فإنه لا ينبغي له أن يتظاهر أمام الناس بمظاهر العظمة والكبرياء، والسنّة النبوية مليئة بالتحذير والتنفير من الفخر والمفاخرة .
والعصبية أو التعصب هو المحاماة والمدافعة عن الباطل، أو استعمال الأساليب غير المشروعة في الدفاع، وسبب النهي عن الفخر والعصبية ظاهر، فهما خلقان ذميمان يخرجان الإنسان من دائرة العقل والاتزان إلى دوائر الغرائز المنفلتة، ولذا فإن الإنسان قد يتصرف بلا عقل ولا تعقل فتنعدم معايير الحق والعدل حينئذ، وهما خلقان يجران إلى الكذب والتدليس، فضلاً عن المبالغة والتهويل أو التهوين، وآثارهما بالغة الخطورة، فقد يترتب عليهما السباب والتلاعن، والتباغض والتهاجر، بل الحراب والقتال وفي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وقعت مفاخرة بين المهاجرين والأنصار كادت تسبب بينهما حرباً، لولا أنه عليه الصلاة والسلام نزع فتيلها بالحال، فقد كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: مابال دعوى أهل الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم؟ فأخبر بذلك، فقال عليه الصلاة والسلام: دعوها فإنها خبيثة .
أخيرا ..
ما لإبن آدم والفخر : أوله نطفة، وآخره جيفة ، ولا يرزق نفسه ، ولا يدفع حتفه .
فهل سمعتم ووعيتم يا عرب ؟!